الأمور لا تبشر بخير، والنظام السوري الحاكم سيبقى كما هو. فبعد سبع سنوات من الحرب الأهلية ومقتل مئات الآلاف من السوريين وفرار ملايين من اللاجئين وتدمير مدن البلاد القديمة والاستخدام المروع للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، مازال الرئيس بشار الأسد في منصبه. والأعمال الوحشية التي اُرتكبت تحت إشرافه جعلت عددا من الزعماء الأجانب والحكومة يدعون إلى تنحيه عن منصبه، لكن الأسد صمد أمام التمرد متعدد الجبهات ضد حكمه بدعم من روسيا وإيران. والأسبوع الماضي، أعلنت قواته أن العاصمة دمشق وضواحيها كثيرة السكان تم تحريرها من «الإرهابيين» وأصبحت الآن تحت السيطرة التامة للنظام. واُعتبر هذا تتويجاً لهجوم منهجي ضار ضد مواقع المتمردين التي تحيط بالعاصمة بما في ذلك جيب الغوطة الشرقية التي صمدت لنصف عقد حتى استسلمت هذا العام. ومعاقل المعارضة المسلحة مقتصرة الآن على محافظة إدلب في الشمال على حدود تركيا ودرعا على حدود الأردن. والنظام السوري يتحرك نحو الضغط على هذه المناطق أيضاً، وهناك محللون يحذرون من المزيد من المعاناة المروعة للمدنيين. والأسبوع الماضي أسقطت طائرة حكومية منشورات على درعا ذكرت تقارير أنها حذرت النشطاء وحثتهم على الاستسلام «قبل أن يفوت الأوان». والأسد يسيطر بشكل كامل على المراكز الحضرية الثلاثة الكبرى في البلاد وهي دمشق ومحيطها وحمص وحلب. وكتبت زميلتي «لويزا لافلاك» تقريراً مفاده أن «الطريق السريع الذي يربط بينهما يعاد بناؤه وسيوفر طريقاً آمناً لجنود الحكومة ليتوجهوا إلى خطوط المواجهة المتبقية». والساحة معدة لعملية سحق نهائية للتمرد. ويؤكد يزيد صايغ الباحث البارز في معهد كارنيجي الشرق الأوسط في بيروت أن «النظام ليس قوياً، لكن لا شك في أنه سيستولي على المناطق المتبقية من سوريا حتى يصل إلى مناطق خطوط المواجهة التي يسيطر عليها آخرون». وهذه الواقع يتحدى إصرار الغرب على أن لا محيص عن اتفاق سلام لإنهاء الحرب. وترى إيما بيلز المحللة المستقلة الذي تغطي سوريا أن الواقع في سوريا «يهزأ بالأحرى من الفكرة التي يروج لها الأشخاص الذين يعملون من أجل محادثات السلام ومفادها أنه لا حل عسكري للصراع السوري». ولا غرابة في تصميم الأسد الدموي على البقاء في السلطة. ويرى ستيفن سايمون المسؤول السابق في إدارة أوباما، والمعني بشؤون الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي الأميركي «أن النظام احتفظ برباطة جأشه على امتداد الحرب الأهلية حتى حين قضت المعارضة على مجلس الحرب السوري برمته في عام 2012 بقنبلة وُضعت بمهارة، ثم في ربيع عام 2015 حين سقطت تدمر وجسر الشغور في أيدي المتمردين الذين فرضوا في الوقت نفسه حصارا على غرب حلب». والحاكم السوري لم يبال بتهديدات ومواقف إدارتي أوباما وترامب وصمد أمام برنامج لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. أيه.) لتسليح متمردين «معتدلين» وصمد أيضا أمام إطلاق وابل من الصواريخ الأميركية عدة مرات على المطارات السورية. والسياسة الإقليمية لعبت إلى حد كبير في صالح الأسد. فتعقيدات الحرب أضعف رغبة الغرب في تغيير النظام في دمشق. ومازال هناك قطاعات واسعة من البلاد خارج نطاق سيطرة الأسد. فتركيا تسيطر على جيب صغير في سوريا والقوات الأميركية تسيطر بمساعدة قوة كردية حليفة على الأرض على قطاع كبير من شرق وشمال شرق سوريا. لكن هذه المناطق المحتلة لا تهدد حكم الأسد فيما يبدو. والرئيس دونالد ترامب نفسه لم يخف عدم اهتمامه بالتخلص من الأسد مفضلا التركيز على التخلص من «داعش» والتصدي للنفوذ الإيراني. وحتى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان ذات يوم أشد منتقدي الأسد ضراوة، خفف من حدة موقفه. وأصبح قلقا على الأغلب الآن من القوة المتزايدة للميليشيات السورية الكردية على حدوده الجنوبية ويسعى للبحث عن قضية مشتركة مع إيران وروسيا، حلفاء الأسد. والمشاورات التي تحيط بروسيا تستحق المراقبة. فقد رجح تدخل الكريملن كفة الحرب بشكل حاسم لصالح الأسد بعد أن تصدت القوة الجوية الروسية لمد المعارك على امتداد البلاد. وربما تسعى روسيا الآن نحو تعزيز حصتها في إنهاء اللعبة السورية، وأن يكون لها اليد العليا على إيران الحليف الحيوي للأسد على الأرض. ولو صحت التقارير الواردة من إسرائيل، فربما تكون روسيا تحقق نجاحا. فعلى مدار الأيام القليلة الماضية، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية أن اتفاقاً من المفترض أنه أُبرم بين روسيا وإسرائيل سيجبر فعلياً ميليشيات مؤيدة لإيران أن تنسحب من الحدود السورية المتنازع عليها أصلاً مع إسرائيل، وقد يمهد الطريق لعملية خروج أوسع للجماعات المدعومة من إيران. وكتب «ستيفن سايمون»، المسؤول السابق في إدارة أوباما،، مقالاً أشار خلاله إلى أن «الأسد يحتاج إلى المحافظة على القوة العسكرية لاستعادة السيطرة على الأراضي في الشرق، وإعادة ترسيخ السيطرة على حقول النفط السورية وغزو إدلب من جديد في الشمال الغربي. وقد يتنازل عن هدفه في إعادة توحيد الدولة السورية تحت حكمه إذا تورط في صراع مع الولايات المتحدة وإسرائيل». لكن الأنباء عن الاتفاق المزعوم لم تلق قبولاً حسناً في طهران، حيث احتجت الصحف على تكتيكات الضغوط الروسية. والأسد غير مهتم أيضا فيما يبدو الآن. وفي الوقت الذي يشدد قبضته على قلب البلاد فانه يسحق أيضاً محاولات دولية للوساطة في تسوية سياسية. ومهمة إعادة الإعمار المذهلة بدأ تتحرك، ويخشى محللون أن يجعل الأسد استعادة كثير من اللاجئين العائدين لعقاراتهم ممتلكاتهم أصعب بكثير بسبب مصادرة الدولة للأملاك أو نقل ملكيتها للموالين لها. وحتى في ظل حدوث سلام وهمي، فقد تظهر شقاقات ومظالم جديدة. ورفض النظام الأسبوع الماضي مقترح روسي يخفف سلطات الأسد الرئاسية ويقلص جزئياً الحكم المركزي، ويضع حدا أقصى لتولي الرئاسة بفترتي ولاية مدة الواحدة منهما سبع سنوات. وأشار المتحدث باسم المعارضة إلى أن عدم رغبة الأسد في قبول هذه الشروط يوضح أنه «لا يريد حلاً سياسياً». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»