زيارة رئيس الوزراء الهندي الأخيرة إلى مدينة سوشي الروسية من أجل قمة غير رسمية مع الرئيس الروسي يمكن وصفها بأنها خطوة مهمة على درب تحسين العلاقات مع من تعتبره الهند حليفاً قديماً وموثوقاً. فالبلدان يحبان وصف بعضهما بعضا بـ«الصديق الموثوق» حيث تعود علاقاتهما الثنائية إلى خمسينيات القرن الماضي؛ وعلى مدى سنوات، اعتمدت الهند على روسيا في كل معداتها العسكرية. ومازال البلدان شريكين في مجال الدفاع، لكن الهند أخذت تشتري أسلحتها على نحو متزايد من بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وفرنسا. وفي المقابل أخذت روسيا تنتقل إلى إقامة علاقات في مجال الدفاع مع باكستان بسبب ميل نيودلهي نحو واشنطن. بل إن روسيا أجرت في 2016 مناوراتها العسكرية المشتركة الأولى مع باكستان؛ وقبل ذلك، كانت روسيا وباكستان وقعتا في 2015 اتفاقية ثنائية بين الحكومتين لإنشاء أنبوب لنقل الغاز من لاهور إلى كراتشي. وتتقارب روسيا مع باكستان جزئياً بسبب أفغانستان، الذي طُردت منه القوات السوفييتية على أيدي المعارضة الموحدة للمجاهدين المسلمين، الذين كانوا مدعومين من باكستان في الثمانينيات. ولهذا، يمكن وصف زيارة رئيس الوزراء مودي باعتبارها محطة مهمة لإعادة بعض الزخم إلى العلاقات الثنائية وتضييق المسافة المتزايدة بين البلدين وسط تطورات جيوسياسية جديدة وتحالفات جديدة. وبعيداً عن أضواء وسائل الإعلام، عقد الزعيمان محادثات مكثفة حول قضايا ثنائية وعالمية، وقررا تحويل الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين البلدين وترقيتها إلى مستوى «شراكة استراتيجية خاصة». كما اتفق البلدان على تكثيف المشاروات والتنسيق حول عدد من القضايا الدولية مثل تعزيز التعاون في منطقة المحيط الهندي- المحيط الهادي. وتأتي زيارة رئيس الوزراء الهندي أيضاً في وقت بدأت تشعر فيه روسيا بوخز العقوبات من أوروبا والولايات المتحدة؛ وتسعى إلى تجديد علاقاتها مع حلفاء قدامى. كما وفرت هذه القمة فرصة للزعيمين لتعميق علاقاتهما وتبادل الآراء، وخاصة بخصوص القضايا الإقليمية، تماشيا مع تقاليد الحوار السياسي عالي المستوى بين البلدين. ويذكر هنا أن روسيا تعرضت لاتهامات بتسميم جاسوس روسي سابق في المملكة المتحدة، مما تسبب في توتر دبلوماسي بين لندن وموسكو أدى إلى عمليات طرد للدبلوماسيين من الجانبين. كما قامت الولايات المتحدة، في إطار «قانون التصدي لخصوم أميركا من خلال العقوبات»، بفرض عقوبات على من يتعاملون تجاريا مع روسيا في المجالين العسكري والاستخباراتي. قانون سيتسبب دون شك في مشاكل بين الهند والولايات المتحدة، ويمكن أن يؤثر على حصول الهند على أسلحة من روسيا. وعلاوة على ذلك، فإن الهند، وعلى غرار بلدان كثيرة أخرى، تأثرت في وقت تهاجم فيه الولايات المتحدة البلدان التي لديها معها عجز تجاري كبير عبر فرض رسوم كبيرة على وارداتها منها. وكانت الهند وقعت اتفاقية ثنائية مع روسيا من أجل اقتناء «نظام دفاع صاروخي باليستي إس 400» يعترض ويستهدف ويدمّر الصواريخ القادمة بقيمة 4.5 مليار دولار. وقبل ذلك، وبعد أن ضغطت الهند طويلا من أجل شراء أكثر طائرات الدرونز الأميركية المسلحة تطورا، كانت الولايات المتحدة قد وافقت على بيع 22 مركبة جوية غير مأهولة من طراز «سي جارديان» («حارس البحر») للقوات البحرية الهندية بقيمة 2 مليار دولار، في إطار «برنامج الولايات المتحدة الخاص بمبيعات الأسلحة للجيوش الأجنبية». ولكن قرار الهند المضي قدماً واقتناء «نظام الدفاع الصاروخي إس 400»، قد يضر بصفقة طائرات «الدرونز» الأميركية مع الهند. أما المجال الآخر الذي قد تواجه فيه العلاقات الهندية- الأميركية منغّصات، فهو المقاربة تجاه إيران في ضوء قرار إدارة دونالد ترامب إعادة فرض العقوبات على إيران. فهذا سيؤثّر بدون شك على المخططات الإيرانية- الهندية لتطوير ميناء شابهار التي اكتسبت زخما في الآونة الأخيرة، والتي من شأنها أن توفّر للهند طريقاً بديلاً إلى أفغانستان. ولهذا، فإنه من الواضح أن الاعتبارات الجيوسياسية المختلفة أخذت تدفع نيودلهي وموسكو إلى السعي إلى تعزيز علاقاتهما، من صعود الصين إلى اتساع هوة الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة. وعلى هذه الخلفية، لعبت روسيا دوراً مهماً في تسهيل عضوية نيودلهي في «منتدى شنغهاي للتعاون». ومما لا شك فيه أن القمة بين البلدين شكّلت محاولة لاستعادة بعض الثقة المفقودة بين الحليفين القديمين. ومع أن شركة النفط الروسية «روزنفت»، وهي شركة طاقة متكاملة، اشترت ثاني أكبر مصفاة نفطية في الهند «إيسار أويل» مقابل 12.9 مليار دولار في أكبر عملية استحواذ أجنبية في تاريخ الهند، إلا أن التجارة بين البلدين تعاني من الركود. ولا شك أن تقلص علاقات الهند العسكرية مع روسيا لا يخدم مصالحها الكبيرة، وذلك على اعتبار أن جزءاً كبيراً من ترسانتها العسكرية هو من روسيا، وقد تم اقتناؤه قبل الزخم الذي اكتسبته العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل مؤخراً؛ والهند في حاجة لدفع علاقاتها العسكرية مع موسكو من أجل ضمان إمدادات غير منقطعة من قطع الغيار لتلك المعدات. *مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي