تؤكد زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا حقيقة الدور المحوري والمهم الذي تلعبه موسكو في المشهد العالمي عموماً، وفي قضايا الشرق الأوسط على وجه الخصوص. فلروسيا رأي في كل الأزمات الحالية، وتنطلق مواقفها من معطيات مختلفة - جذرياً في بعض القضايا - من مواقف الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة. لعل أهم ما يميز روسيا عن الولايات المتحدة هو أن سياستها مستقرة منذ وصول الرئيس فلاديمير بوتين للحكم، أول مرة قبل سنوات طويلة. في حين تعاني المنطقة من تقلبات السياسة الأميركية، وقد دفعت دول الشرق الأوسط غالياً نتيجة هذه التقلبات. تدرك الإمارات أن العامل الروسي سيبقى مهماً في المنطقة لسنوات قادمة، وأن العودة الروسية للشرق الأوسط عودة عملية، وليست كما كان حال الاتحاد السوفييتي مواقف تحركها الأيديولوجيا الماركسية. والموقف الإماراتي الحريص على التواصل مع الأطراف الفاعلة يعكس فهماً لتغيرات دولية كبرى لما بعد عصر القطب الأميركي الأوحد. تأتي أهمية زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في كونها تأكيداً على ترسيخ العلاقات التاريخية مع روسيا. فتاريخ التعاون والمبادلات التجارية المشتركة يعود إلى عشرات السنين. ودولة الإمارات وروسيا تتمتعان بعلاقات اقتصادية قوية وحيوية، تدعمها وتدفعها سلسلة من الاتفاقيات الثنائية التي تم توقيعها خلال الأعوام الماضية. الامارات تطور بشكل مشترك مع روسيا أجيالاً جديدة من المنظومات الدفاعية. والإمارات تضع يدها بيد روسيا في سلاح الجو، حيث تم توقيع اتفاقية روسية إماراتية في العام الماضي، والتي ستشكل قاعدة للتعاون الثنائي في تطوير مقاتلة خفيفة ضمن الجيل الخامس من المقاتلات الحربية. وتتعامل روسيا مع دولة الإمارات بشكل منفتح تجارياً واقتصادياً. فالروس من أكثر الزائرين لدولة الإمارات حيث تعد الدولة من الوجهات السياحية المفضلة لهم. ويكاد يندر أن يقام معرض دفاعي أو صناعي أو تجاري من تلك المعارض التي تقام في الإمارات دون أن تكون روسيا حاضرة فيه بشكل ملموس خصوصاً وأنها تنظر لتلك المعارض والملتقيات الإماراتية كبوابة لها على العالم. تدرك روسيا أنها بحاجة إلى شريك عربي رصين يتمتع بمصداقية إقليمية لمساعدتها في أن يكون حضورها في المنطقة بلا عثرات، خصوصاً وأن الصراعات صارت سمة الشرق الأوسط. فآخر ما تريده موسكو هو تكرار تجربتها في الخسارة الاعتبارية كما حدث أيام الاتحاد السوفييتي. إن لدولة الإمارات العربية المتحدة، بما يميّز دبلوماسيتها من هدوء، وبما تمتلكه من شبكة علاقات واسعة ومتنوعة عبر العالم، وما تحظى به من مصداقية لدى أغلب الدول، لا سيما القوى الكبرى، دوراً كبيراً ينتظر أن تؤدّيه خلال مرحلة الخروج من فترة الصّدام والتوتّر، إلى فترة الحوار والتفاهم السلمي، حيث تمتلك دولة الإمارات بما يميّزها من استقرار سياسي وأمني، وبما لها من مقدّرات اقتصادية ضخمة، ما يدفع الدول على الشراكة معها. وروسيا هي الشريك المتجدد اليوم. *كاتبة إماراتية