الدبلوماسية الثقافية التي تروج لها دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال الأنشطة الثقافية، والمؤسسات التعليمية، والمؤتمرات الدولية، والفن، والموسيقى لها أثر كبير في تقريب ثقافات الشعوب المختلفة ومنها يبدأ الحوار لفهم الطرف الآخر ولا يكون ذلك إلا عن طريق الحوار المتبادل، مما يسهم في تعزيز مفهوم التسامح. دولة الإمارات هي الدولة الأولى في العالم التي أنشأت وزارة جديدة باسم وزارة التسامح، وعينت الوزيرة لبنى القاسمي وزيرةً للتسامح في عام 2016. وفي التعديل الوزاري الأخير تم تعيين الشيخ نهيان بن مبارك وزيراً للتسامح، وشارك بهذه الصفة في احتفال الأخوة المسيحيين بالعيد المجيد. وهذه المشاركة بمثابة رسالة لجميع شعوب العالم للتحاور والتقارب. دولة الإمارات يعيش على أرضها أكثر من 200 جنسية في أمن وسلام دائمين. وقد أنشأت دولة الإمارات معهداً للتسامح الدولي في دبي عام 2017، وهو المعهد الوحيد في الشرق الأوسط الذي يهتم بقضايا التسامح ونشرها. ويوجد في إمارة أبوظبي معهد الموسيقى والذي يعرف ببيت العود، وهو بيت يجمع الأسرة من خلال العزف على آلة القانون، والعود والتشِلّو. هذه الآلات جمعت أطيافاً من مختلف الأديان والثقافات والتي أصبح المكان لهم حقا بمثابة البيت الذي يجمعهم. من المهم إلقاء الضوء على ثقافة التسامح في دولة الإمارات والتي هي متأصلة في ديننا الحنيف وفي أخلاقنا. وقد تجلت تلك القيم في صفات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث يقول د. نايف علي عبيد "أنا سوري أعيش في الإمارات منذ أكثر من 34 سنة. ولم يفرق الشيخ زايد بين الناس على أساس الدين أو اللون، وكان يساعد جميع المحتاجين دون النظر إلى أصولهم ودينهم وأصلهم العرقي وكان بمثابة والد لجميع الإماراتيين والمغتربين في الدولة". الدكتور محمد سعيد القدسي، الذي كان أول إعلامي يبدأ بتلفزيون أبوظبي عام 1969، كان قريباً من الأب زايد وقام بتغطية معظم جولاته وزياراته الرسمية، مما مكنه من توثيق معظم الأحداث المهمة في الدولة. ويقول الدكتور محمد سعيد "كنت أعرف أنه عندما يأتي ممثلو الكنيسة للزيارة أو التهنئة بالعيد، كان يسألهم عن حالتهم وإذا كانوا بحاجة لأي شيء أو مساعدة. ويضيف هناك قصة أخرى وهي أنه كان مع الشيخ زايد في جولة بالسيارة، ورأى الشيخ زايد مصنعاً للأدوية. على الفور نزل واكتشف أنه كان ينتج عددًا من الأدوية في أبوظبي. لم يكن صاحب المصنع موجوداً. شعر الشيخ زايد بالراحة والسرور. وعند الظهر، تلقى صاحب المصنع، وهو هندي، مكالمة طالباً منه الحضور إلى قصر البحر للقاء الشيخ زايد. جلس معه وأكل، وأعرب الشيخ زايد عن سعادته بالمصنع وسأله عما إذا كان بحاجة إلى مساعدة بأي وسيلة (نقود أو جوازات سفر). "وفي معظم الأحيان، كان الشيخ زايد يقضي معظم وقته يراقب ويشرف على المشاريع ويُفرح الناس بحضوره المفاجئ. كان يحب التحدث إلى العمال الزراعيين في أي مشروع وكان هؤلاء العمال من جنسيات متباينة من إيران وأفغانستان ومصر وغيرها. يروي سعيد العامري إحدى القصص الأخرى عن قيم التسامح لدى الشيخ زايد فيقول: "كنا في جنيف، كان هناك الكثير من العرب والمسلمين، بمجرد أن علموا أن الشيخ زايد هناك، كتبوا رسائل لطلب احتياجاتهم. ولاحظ الشيخ زايد أن أحد المسؤولين عن قراءة الرسائل إليه يخبئ رسالة في جيبه، وبمجرد انتهائه من قراءة الرسائل سأله الشيخ زايد لماذا خبأت إحدى الرسائل. قال له مسؤول القراءة إن كاتب هذه الرسالة يهودي. شعر الشيخ زايد بخيبة أمل إزاء هذا العمل، وقال نعامل الآخرين كبشر، وليس وفقا لجنسيتهم أو دينهم، وقال أعطوه ما يريد حتى يعرف كيف يتعامل المسلمون مع الآخرين ". ويروي سعيد العامري قصة أخرى وهي أن امرأة عربية أخبرت أن زوجها في السجن لأن عليه ديون بقيمة 60000 درهم. وقالت أريد من الشيخ زايد الإفراج عن زوجي ونعد بأننا لن نبقى في بلدكم.. " شعر الشيخ زايد بخيبة أمل شديدة لسماع " لن نبقى في بلدكم ". قال سعيد العامري إن الشيخ زايد أمر بإطلاق سراح زوج هذه السيدة. ومن بين القصص الأخرى التي تدل على تسامح الشيخ زايد تلك القصة التي يرويها أحمد بن محمود فيقول "بدأت علاقتي مع الشيخ زايد عام 1952 عندما كان حاكماً للعين. اختارني الشيخ زايد كسكرتير له حتى وفاته. من ذلك الوقت حتى وفاته، لم يقل لي كلمة واحدة تزعجني أبداً. " كانت الحياة صعبة للغاية، ومصادر الرزق محدودة. فبالنسبة لسكان شبه الجزيرة العربية، كان بعض الناس يذهبون إلى صيد اللؤلؤ، والبعض الآخر يرعى الماشية. كانت هناك موارد محدودة قبل اكتشاف النفط، لذلك عاش الشيخ زايد هذه الفترة وقال: "أتمنى أن أرى جميع المواطنين في حالة جيدة ومريحة بعد هذا التعب والبؤس". رحمة الله على رجل السلام. لقد تحقق حلمك يا أعظم والد عرفه التاريخ، وانتشرت الألفة والمحبة والتآخي بين المجتمع الواحد. وما فكرة إنشاء وزارة للتسامح إلا تعزيزاً وتماشياً مع سياسة التسامح في عهد الشيخ زايد.