يبدأ الحديث عادة عن شهر رمضان بتعديد بركاته، وتوحد المسلمين حول طقس الصيام وشروطه، ليقبل عند الله. هذا كله يخص المسلم الفرد في أي موقع في الدنيا موروثة من سنين طويلة. لكن الجماعات البشرية لم تتوقف، عند هذا الطقس الفردي لمجرد تعميمه، ولكنها، أصبحت تقدم للدارسين للثقافة الشعبية، وعلم الاجتماع، بل والاقتصاد، مادة مختلفة، تختلف فيها الممارسات الدينية عن المظاهر الاجتماعية، وتجعل من رمضان شهر دراسة لتنوع الثقافات في الأقاليم، بل وفي البلد الواحد باعتباره ظاهرة اجتماعية، تستعرض فيها القوة الشعبية لجماعة إزاء أخرى، ولسنا بعيدين عن مثال القاهرة أمام عواصم الأقاليم الأخرى في مصر، مما يدفع بسهولة إلى التفرقة مع عواصم العرب والمسلمين في أكثر من قارة. وقد أصبحت الثقافة الشعبية تقبل بذلك في يسر، وتتحدث إلى الأنثروبولوجيين بكل قوة أمام التسليم السلفي التقليدي، بالرأي التطهري بالمعنى الفريد لشهر رمضان، وهذا الأسلوب يحرم كثيراً من المسلمين من النموذج المألوف للجمع بين متع الدنيا وفضائل الآخرة. وليدرس من يشاء هنا الفروق - حتى في الطقوس الدينية - بين بلد وآخر، أو اندماج طقوس بلد في الآخر أو أطراف منها. من هنا تظهر منطقة غرب أفريقيا مثالاً لهذا التنوع بين «مريدية» و«تيجانية»، مما جعل باحثين مثل «فنسان» يسمى ذلك «الإسلام الأسود»، وعلى العكس من ذلك قال عالم مثل «بلايدن» عن اقتراب المسيحيين من المسلمين في مناطق من غرب أفريقيا بسبب التأثير الإسلامي الأوسع داخل المنطقة بأكثر من المسيحيين في الساحل، ومثال بعض حالات طوائف دينية كبيرة مثل القادرية والأحمدية وغيرها أيضاً. ولا يفوت باحث لتعميق هذا المعنى قراءة كتاب «زهور البساتين» للشيخ موسى كمارا «( 1863- 1945 والذي يشبه وضع ابن خلدون في ثقافة المشرق، وهو يقوم بجولة في الثقافات المتشابكة في غرب أفريقيا. وهذا ما جعل الباحث السياسي أقرب إلى تفهم المشاركة الاجتماعية الواسعة التي رواها باحث من أفريقيا الوسطى في ندوة قريبة عن امتداد «إسلام رمضان» إنْ جاز التعبير إلى مسيحيي البلاد، وأشاد باحث تشادي زميل له إلى امتداد رمضان أفريقيا الوسطى إلى تشاد إلى غرب السودان في توحد نحو الخارج، بأكثر ما يمتد نحو الداخل. من هذه التحولات في رمضان – مثل كثير غيره – نجد امتدادات طقوسية، وغير طقوسية في داخل القارة، لكن باحثين آخرين يخلصون من الدراسة إلى القول بأن الإسلام الأفريقي أكثر طقوسية، كما هو أكثر صوفية في آسيا، وأكثر تقليدية في الشرق الأوسط، أو قل العالم العربي تحديداً. إذن إنه أمام تعدد السلوكيات الإسلامية – ومحورها اليوم شهر رمضان الكريم، بما فيه من مظاهر التدين، ومظاهر التشكيلات الشعبية والاجتماعية، فإن القوى المحافظة دينياً تجد نفسها أمام العزلة بالدين بما لا يفيد تطورات المجتمع، لقوة المحافظة أحياناً...وإما أن يسلموا بأن الحياة المجتمعية التي يرونها بأنفسهم، لا تشكل إلا مظاهر الفرحة، وقدراً من تحرر الشباب والنساء، إلى حد أن سمى الاحتفاء بليلة رؤية هلال رمضان» بعيد النسوان «لأنها الليلة الوحيدة التي يخرجن فيها جماعات... في تلك الندوة التي أشرت إليها بوزارة الثقافة، وقف شاب نابه، يقول إني أعترض على تلك الصورة الوردية التي قدمتموها عن المجتمعات الرمضانية الإسلامية، لأن السؤال يظل قوياً حول ما يحدث في رمضان – وبعد رمضان من اقتتال وسيولة الدماء بين المسلمين في الغالب ؟ وأظن أن الباحث هنا يتجاهل أن معظم الحروب المشار إليها سلطوية، بينما الشعوب قادرة على عبور الحدود دون حروب، وإنما بمعتقداتها وطقوسها الشعبية. وكان رد البعض أن عيب النخبة المسلمة أحياناً أنها تأخذ مفهوم المحافظين الدينيين عن ثبات الرؤيا للدين منذ قرونه الأولى، غير مقدرين التحولات الكبرى التي حدثت للمجتمعات الإسلامية بعد ذلك، وهى تحولات فرضت ما أشرنا إليه من فصل الديني الخالص عن المجتمعي والشعبي، الذي يستمد قوته أحياناً من الظاهرة الدينية دون القول إنه مثلاً «تطور في الخطاب الديني». وطالما ظل ذلك الفصل في المفاهيم العلمية لعدم قدرة المحافظ نفسه على التطور، وطرح العلميين لرؤاهم دون خشية، فستظل مظاهر تطورنا الاجتماعي الثقافي محاصرة أو متضاربة دون معنى.