شهدت ولاية «كرناتاكا» الهندية الجنوبية، الأسبوع الماضي.، واحدة من أكثر انتخابات المجلس التشريعي للولاية احتداماً، ومع أن الانتخابات أجريت في واحدة فقط من أصل 29 ولاية هندية، إلا أنها أعطت إشارة الانطلاق لحملة انتخابات 2019 العامة التي سيسعى فيها حزب بهاراتيا جاناتا تحت قيادة رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» إلى إعادة الانتخاب من أجل البقاء في السلطة لخمس سنوات أخرى. ولئن كان حزب «بهاراتيا جاناتا» قد خرج كأكبر حزب في هذه الانتخابات التي يتم إجراؤها على مستوى الولايات بـ104 مقاعد من أصل 222، فإنه لم يتمكن من الحصول على 8 مقاعد إضافية ضرورية من أجل أغلبية بسيطة، ما أثار ارتباكاً ومناورات سياسية محتدمة. وبعد كثير من المناورات السياسية التي عرفت في البداية محاولة «بهاراتيا جاناتا» تشكيل الحكومة، نجح حزب «المؤتمر»، بعد تحالف مفاجئ في آخر لحظة بعد الانتخابات مع حزب محلي هو «جاناتا دال». وكان حزب «المؤتمر» فاز بـ78 مقعداً فقط، ولكنه تمكن من تشكيل تحالف مع الحزب المحلي الذي فاز بـ37 مقعداً. حزب «المؤتمر» أظهر بوضوح أنه يكافح من أجل البقاء، وكان مستعداً لاستبعاد حزب «بهاراتيا جاناتا» بأي ثمن. وهكذا، وفي خطوة ذكية، تحالف مع الحزب المحلي، ولم يكشف عن أوراقه إلا في اللحظة الأخيرة. وتولى زعماء كبار في حزب «المؤتمر» تفاصيل التحالف متغلبين على محاولات «بهاراتيا جاناتا» الرامية إلى إغراء وجذب بضعة أعضاء منتخَبين حديثاً للانضمام إلى حزبهم من خلال عروض مربحة. ونجح حزب «المؤتمر» في استراتيجيته بعد سلسة من الخسائر في عدد من الانتخابات التشريعية الأخرى على صعيد الولايات. وتُعتبر «كرناتاكا»، التي تحتضن بنجالور مركز تكنولوجيا المعلومات في البلاد، من بين أكثر ولايات الهند ازدهاراً. وهي واحدة من خمس ولايات تشكل الجزء الجنوبي من الهند الذي لديه لغات خاصة به وهوية ثقافية محلية. وقد كانت هذه الانتخابات مهمة جداً بالنسبة للحزب الحاكم الذي يتطلع إلى الحصول على موطئ قدم في جنوب الهند، حيث لديه حضور ضعيف، ولم يتمكن من تحقيق اختراق حتى الآن. ومن جانبه، كان حزب «المؤتمر» يتطلع إلى وقف سلسلة من الخسائر في عدد من الانتخابات على مستوى الولايات، واكتساب شرعية كزعيم للمعارضة قبل الانتخابات العامة العام المقبل. ويذكر أنه في آخر انتخابات تشريعية محلية في تلك الولاية في 2013، كان حزب «المؤتمر» قد فاز بـ121 مقعداً في المجلس، بينما فاز حزب «بهاراتيا جاناتا» بـ40 مقعداً فقط. وتتميز هذه الولاية بتقسيمات طبقية معقدة، ويحاول الحزبان الانتقال إلى ما أبعد من قاعدتيهما الانتخابيتين التقليديتين من أجل جذب واستمالة مجموعات طبقية مختلفة، مثل «لينغايات»، وهي مجموعة تمثل 10 إلى 17 في المئة من سكان الولاية. ويُعرف حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم تقليدياً باعتباره حزب الطبقات العليا، في حين يرتبط حزب «المؤتمر» بالطبقات الدنيا المعروفة بـ«داليت» والمزارعين، وكل الأقليات تقريباً. غير أن هذه الانتخابات، وعلى غرار كل الانتخابات الأخرى في الهند، كانت تتعلق بقوة المال. وفي هذا السياق، قال «مركز الدراسات الإعلامية»، وهو مركز بحوث غير ربحي، إن انتخابات «كرناتاكا» عرفت «إنفاقاً كبيراً للمال» مشيراً إلى أن نفقات الأحزاب السياسية تراوحت بين 95 و105 مليارات روبية هندية، أي أكثر من ضعف النفقات التي سجلت خلال الانتخابات السابقة في هذه الولاية. ولهذا، فإن قوة المال كانت العامل الأساسي في هذه الانتخابات. غير أن نجاح حزب «المؤتمر» في الاحتفاظ بالسلطة عبر تشكيل تحالف مع شريك محلي من المتوقع أن يمهد الطريق لانتخابات 2019 العامة في البلاد. ويبدو أن حزب «المؤتمر» قد وجد طريقة للتغلب على حزب «بهاراتيا جاناتا»، الذي يهيمن على المشهد السياسي الهندي منذ أن وصل إلى السلطة في 2014 في انتصار انتخابي كبير بفضل شعبية «ناريندرا مودي»، ولكن ومع توجه الهند إلى الانتخابات في 2019، قد يجد «مودي» صعوبة في الحفاظ على هذه الهيمنة. وفي وقت ما زال يتمتع فيه بشعبية، بدأت الأسئلة تُطرح حول ما إن كان رئيس الوزراء الهندي وحزبه حققوا كل ما وعدوا به قبل الوصول إلى السلطة، وفي مقدمة تلك الوعود خلق ملايين الوظائف، وخفض البطالة، واستعادة أموال الفساد التي هربت إلى الخارج. ولكن ذلك لم يحدث حتى الآن. وبالمقابل، فإن ما سيتركه الحزب الحاكم حالياً وراءه هو بلد ربما تعمقت فيه الانقسامات الدينية بسبب أنشطة مجموعات قومية هندوسية ازدادت جرأة منذ وصول حزب «بهاراتيا جاناتا» إلى السلطة. وأصبحت الأقليات والطبقات الدنيا في المجتمع الهندوسي مهمشة على نحو متزايد. أما في ما يتعلق بحزب «المؤتمر»، فيمكن القول إنه إذا لعب أوراقه بشكل صحيح وتحالف مع أحزاب محلية، فإنه سيستطيع التصدي لمودي وحزبه اللذين من دون ذلك لا يمكن هزم ماكينتهما الدعائية وقدراتهما على نقل وإيصال رسائلهما. وفي الوقت الراهن، يبدو أن حزب «المؤتمر» أدرك أن الطريقة الوحيدة للتصدي لمودي وحزبه، الذي يوجد في السلطة في أغلبية الولايات الهندية، هي من خلال تشكيل تحالف مع أحزاب محلية. أما إذا فشل في القيام بذلك، فإن حظوظ استمرار «مودي» وحزبه في البقاء في السلطة لخمس سنوات أخرى ستكون كبيرة. *رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي