يقال لنا إن الرئيس دونالد ترامب يمكنه أن ينجح في مفاوضاته مع كوريا الشمالية وفي مواجهة تحديات أخرى، حيث فشل الآخرون، وذلك لأنه رئيس لا يمكن التنبؤ بقراراته. والحال أنه يوماً بعد يوم يثبت أنه أكثر رئيس قابل للتنبؤ. فترامب شخص يمكن التنبؤ بمواقفه لأنه يتخذها بناءً على ميولاته وتفضيلاته، والتي اكتسب كثيراً منها قبل عقود. ومستشاروه يستطيعون أن يؤخروه عن اتخاذ قرار أو موقف، لكنهم لا يستطيعون أن يقنعوه بأن يحيد عن طرقه القديمة. ولما كانت أفكاره وأحكامه معروفة جيداً، فإن قراراته يفترض ألا تفاجئ أحداً. لكن، ما هي الأفكار الجاهزة التي لدى ترامب؟ هنا بعض هذه الأفكار: بعض الدول الحليفة -وخاصة اليابان- تعامل الولايات المتحدة باستغباء. الزعماء المستبدون أقوياء وحاسمون وبالتالي يستحقون الإعجاب. المهاجرون والأشخاص الملونون أشخاص مشتبه فيهم. الأغنياء يعرفون الأمور أحسن من غيرهم عادة، في حين أن المثقفين لا ينبغي الوثوق بهم. العجز التجاري هو المؤشر الأكبر على الضعف الوطني. والتصنيع هو عماد الاقتصاد. وأي شيء فعله باراك أوباما ينبغي حله وإنهاؤه. تلك المجموعة من الأحاسيس، والمستندة إلى الغريزة والحدس، يمكن أن تفسّر معظم ما فعله ترامب والتنبؤ بما سيفعله. وترامب يكون قابلاً للتنبؤ أكثر عندما تدفعه ميولاته في الاتجاه نفسه، على غرار ما فعلت معه إزاء اتفاقية باريس للمناخ. فقد كانت اتفاقية متعددة الأطراف، وبالتالي فربما هناك دول أخرى تستغل الولايات المتحدة من خلالها، كما يَعتقِد. ثم إن العلماء كانوا يرون أنها مهمة، وأوباما اعتبرها إنجازاً استثنائياً.. لكنها في عالم ترامب، لم تكن ذات قيمة، كما لم تملك أي فرصة للنجاح. أفكار ترامب المسبقة يمكنها أيضاً أن تفسر قرارات مثل: حظر السفر الذي استهدف المسلمين، على الرغم من أن المعطيات لم تُظهر أي علاقة بين الإرهاب في الولايات المتحدة والبلدان التي استهدفها الحظر. كما يمكن لتلك الأفكار المسبقة أن تفسر مشروع قانون ضرائب يفيد الشركات والأغنياء بالدرجة الأولى، رغم أن ترامب وعد خلال حملته الانتخابية بمساعدة المنسيين والمهمشين. وكذلك تصميمه على تدمير برنامج «أوباماكير» للرعاية الصحية، رغم أنه كان يساعد الكثيرين من أولئك الناخبين المنسيين والمهمشين. إضافة إلى تخليه عن «الحالمين» (أبناء المهاجرين غير الشرعيين الذي وصلوا إلى الولايات المتحدة حين كانوا أطفالاً)، ومعظمهم من اللاتين، رغم وعوده بمساعدتهم، بينما يتوق لمهاجرين أكثر من النرويج. والواقع أن أشخاصاً كثيرين فوجئوا باستدارة ترامب نحو مفاوضات مع كوريا الشمالية بعد أشهر من إهانة «رجل الصواريخ القصير» كيم جونغ أون. غير أنه وتماشياً مع تفضيله للزعماء المستبدين، يبدو أن ترامب معجب بكيم أكثر من إعجابه بزعيم كوريا الجنوبية المنتخَب. ونظراً لأن باراك أوباما تجاهل كوريا الشمالية عموماً، في إطار «الصبر الاستراتيجي»، فإن عقد صفقة معها ينسجم مع ميل ترامب إلى أن يكون نقيضاً لأوباما في كل الأشياء. كما أن تجاهل مصالح حلفائنا اليابانيين، إنْ كان ذلك هو ما يتطلبه اتفاق عقد مع كيم، ينسجم أيضاً مع تفضيلاته وميولاته. غير أنه ينبغي الاعتراف بأن هذا الإطار لا يمكنه التنبؤ بكل قرارات ترامب، ولأن الرئيس يرفض الإفراج عن كشوفاته الضريبية وعن معلومات كثيرة بشأن شركاته التي تواصل نشاطها، فإننا لا نستطيع معرفة إن كانت مصالح شركاته ربما لعبت دوراً في قراراته الرسمية، وإلى أي حد. وإلى ذلك، فإن حدس ترامب وشعوره الغريزي يعملان على نحو متناقض أحياناً. وعلى سبيل المثال، فإنه يكره اتفاقية التجارة الحرة لبلدان أميركا الشمالية «نافتا»، لأنها اتفاقية، ولأنه يعتقد أنها تؤذي المصنعين الأميركيين، ولأنه دائماً ما يكره اتفاقية «نافتا»، لكن من جهة أخرى فإن الكثير من مديري الشركات والمزارع الأميركية الأغنياء سيتضررون في حال تم نسف «نافتا». ثم إنه حتى إذا كان تفكير ترامب لا يتأثر كثيراً بالأدلة أو نتائج التجربة، فإنه محاصَر بالواقع عبر طرق أخرى، حيث للمحاكم والكونجرس والولايات كلمة لتقولها. وعلى غرار معظم السياسيين، فإنه يريد أن تكون لديه شعبية، ويكون محبوباً ومحط إعجاب، وربما أن يعاد انتخابه. وهكذا، فإن حدسه وشعوره الغريزي (وربما مصالح شركاته أيضاً)، مثلاً، تدفعه ليصادق فلاديمير بوتين، لكن ذلك لم يحدث بعد. غير أنه بالنسبة لرجل ينافس على المنصب قائلاً: «يجب أن نكون غير قابلين للتنبؤ»، فإن ترامب يثبت على نحو متزايد أنه رئيس من غير الصعب كثيراً قراءته. ذلك أنك إذا نظرت إلى الأشياء التي آمن بها منذ الثمانينيات، فحينها يمكنك أن تخمن على نحو معقول، حيث يمكن أن ينتهي به المطاف في مواقفه وقراراته. فريد حياة محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»