سألتُ دبلوماسياً ألمانياً رفيعاً، في الآونة الأخيرة، حول ماهية المواضيع التي تتعاون حولها الولايات المتحدة وألمانيا، فنظر إلى نظرة معبّرة تشي بالكثير.. ليس ضمنه إيران بالطبع.. ولا التجارة، بكل تأكيد.. وليس تغير المناخ.. وليس روسيا دون شك.. وليس الهجرة دون ريب.. بل تشي بالتساؤل: في ظل تحالفات مثل هذه، من يحتاج لأعداء؟ وكما تلقيت رسالة من دبلوماسي فرنسي تعبّر عن القلق، يقول فيها إن إلغاء الرئيس دونالد ترامب للاتفاق النووي الإيراني هو «أفضل تجسيد للحظة الجاكسونية (نسبة إلى الرئيس آندرو جاسكون) التي تجتازها الولايات المتحدة: خليط من الأحادية والانعزالية»، مما يسهم في إيجاد «فوضى عالمية جديدة»، إذ لم تعد هناك «قوة أميركية تريد أو تستطيع –أو كلاهما معاً– أن تكون الجهة الأخيرة التي يُلجأ إليها لتطبيق (القانون)». الرئيس ترامب يقول لأوروبا: اغربي عن وجهي. ومثلما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن ترامب الشهر الماضي، فإنه «شخص يمكن توقع تصرفاته»، بل أكاد أستطيع القول إنه يمكن التنبؤ بها على نحو نمطي ورتيب جداً. فاستخفافه بالتحالف الأطلسي (الناتو) كان واضحاً خلال الحملة الانتخابية، وهو الآن يسعى لإنجاز ما وعد به. فذاك هو شكل «نزاهته» وسط سيل من المعلومات غير الدقيقة. وعشرات الملايين من الأميركيين يحبونه بسبب ذلك، حيث ينظرون إليه على أنه «أنزه» رئيس على الإطلاق. لكن لماذا؟ الجواب: لأنه يقول الأشياء كما هي. أما أوروبا فأخذت تستوعب خطورة الانقسام. وفي هذا السياق، قالت فيديريكا موغيريني، المسؤولة الأولى عن سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية، وبغير قليل من التهكم مؤخراً: «إن الصراخ والصياح والسب والتنمر وتدمير وتفكيك كل شيء موجود بشكل ممنهج، بات السمة المميزة لزمننا». ومن دون أن تشير إلى الرئيس الأميركي بالاسم، حذّرت من أن «هذه النزعة إلى التدمير» لا تؤدي إلى أي شيء مفيد. والواقع أن ما يهدد أميركا –ومكانتها في العالم– هو التراجع الأخلاقي، وهو آفة آتية من أعلى. فهذا الشهر فقط، قلّلت كيلي سادلر، وهي مساعدة لترامب، من شأن السيناتور جون ماكين لأنه «سيموت على أي حال». وما زالت سادلر تحافظ على وظيفتها في مكتب الاتصالات بالبيت الأبيض، حيث تركز على الهجرة غير الشرعية. وبمناسبة الحديث عن الهجرة غير الشرعية، أشار ترامب مؤخراً إلى بعض المهاجرين باعتبارهم «حيوانات» وبأنهم «ليسوا بشراً»! وماكين، الذي يصارع سرطان الدماغ، بطل حرب تعرض للتعذيب كأسير حرب في فيتنام، وليس شاباً غنياً من حي «كوينز» تملَّص من الذهاب إلى الحرب. وقد خرج ماكين من الأسر ليصبح مناصراً عنيداً للقيم الأميركية كقوة خير. ورفضه ل«جينا هاسبل»، مديرة «السي آي إيه» الجديدة، كان بسبب «رفضها الاعتراف بعدم أخلاقية التعذيب»، وهو الأمر الذي دفع سادلر إلى أن تقول ما قالته بشأنه. الولايات المتحدة ليست بلد حيوانات، والمهاجرون هم الذين جعلوا هذه الأمة متميزة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»