لا يوجد عربي أو مسلم لديه أدنى شك أو رفض لحقيقة أن فلسطين دولة محتلة، وأن الاحتلال الإسرائيلي إلى زوال، فالتاريخ قال كلمته والجغرافيا كذلك فلا كلمة بعدهما، وأيا كانت وعود ترامب للإسرائيليين، فإنها وعود كاذبة متعلقة بوهم يعلم الجميع أنها وعود مؤقتة ولن تظل طويلاً وإنْ طال الزمن. فالقدس كانت وستبقى عاصمة فلسطين فنقل السفارة الأميركية إلى القدس الذي تجاوز كل الاتفاقيات الدولية واخترقها بكل نجاحه لا يعني البتة أن القدس صارت إسرائيلية. فالسفارة إيا كان مكانها على أرض فلسطين من البحر إلى النهر، فالقدس عربية، وفلسطين أرض الأديان السماوية، الأرض الطاهرة التي كتب عنها التاريخ ومدح موقعها ومكانها وبشرها المعجونين بحب المكان. فلسطين ضميرنا اليقظ، قصتنا التي صارت جزءاً من كل حياتنا، الأرض التي نرنو إليها في كل صلاة تقديساً وتقديراً. لا يمكن أياً كانت المساومات والضغوط والأعذار التي يأتي بها ترامب وغيره، والتي تتحيز لإسرائيل، أن تغير قناعات راسخة بشأن القدس وفلسطين. ولا يمكن أبداً أن تؤدي هذه المساومات إلى صرف الأنظار عن الحقوق الفلسطينية، أو أن تلبسها ثوب الاستسلام. إسرائيل احتلت فلسطين بموجب صفقة دولية آنذاك، وتحتلها اليوم ضد نظام عالمي يريد للأوضاع أن تستمر حتى تشغل هذا الجزء من العالم بألم المحاصرة فلا يرى أبعد ولا يستطيع إلا الصمت. والأمة تتألم لمصاب فلسطين، ولديها يقين بأن القدس هي العاصمة الوحيدة لفلسطين بسفارة أو من دون سفارة. ولا يكفي أن المنطقة مشتعلة الأطراف، ملتهبة العمق، حتى يصب ترامب الزيت ساخناً على جرح عميق مفتوح ومؤلم. فالاشتعال مستمر، والجرح يتعمق أكثر فترامب الذي أنهى الاتفاق النووي مع إيران لأنها تسببت في أعمال العنف في المنطقة يعمل هو اليوم على زيادة النيران. ومثل هذا الاعتراف المستفز بأن القدس عاصمة لإسرائيل سيزيد النيران اشتعالاً وسيسفر عن المزيد من التوترات في المنطقة، وستتعقد الأوضاع أكثر، فقد اختار ترامب توقيتاً خاطئاً ستدفع المنطقة قريباً ثمنه باهظاً. وعلى ما يبدو، لا يكفي أن يركض ترامب معلناً ميوله المتحيزة لإسرائيل بل إنه يهدم كل الاتفاقيات التي نصت على أن القدس عاصمة فلسطين. القول الفصل هنا هو إن الحسم كان تاريخياً ودولياً، وإن القدس هي عاصمة دولة فلسطين العربية. ليكن لنا اتفاق وحيد وحقيقي وقادم، يستند إلى مصداقية القضية. موقف سيكتبه التاريخ كما كتب منذ بدء الخليقة أن فلسطين عربية، وأن ليل الاحتلال قصير، وأنها ستعود لأهلها، وستعود القدس عاصمة العرب وقبله المسلم والمسيحي واليهودي بلا أي استثناء ولا أي تمييز، إلا أنها عربية الهوية والهوى والهواء.