الأسبوع الماضي كان أسبوع فظاعات في فلسطين. فيوم الاثنين، قُتل 63 شاباً فلسطينياً برصاص الجيش الإسرائيلي، وأصيب 2700 آخرون، ونفس الوقت افتتحت الولايات المتحدة سفارتها في القدس، داقةً بذلك ما قد يكون المسمار الأخير في نعش الآمال في سلام إسرائيلي فلسطيني. وفي «حفل الافتتاح»، ولاحقاً في بيان موجز من البيت الأبيض، قيل لنا إن افتتاح السفارة يسهم في السلام وإن أعمال العنف التي حدثت على الحدود مع قطاع غزة هي بسبب الفلسطينيين. لكن الصور التي رأيناها عبر شاشات التلفزيون ذالك اليوم كانت تعرّي تلك الكذبة الفظيعة. الخسائر البشرية في ذلك اليوم كانت كارثية وستترك ندوباً دائمة في وعي جيل من الفلسطينيين. لكن قسوة ووحشية التفاوت الكبير جداً بين صور الغطرسة والشماتة وبين صور اليأس والمعاناة.. تركت تأثيراً كبيراً جداً، وهي أيضاً ستدوم طويلا. والواقع أنه في استطلاعات الرأي لطالما لاحظنا انقساماً متزايداً بين الحزبين حول المواضيع المتعلقة بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. والأكيد أن إسرائيل ما زالت صاحبة اليد الطولى لدى الرأي العام الأميركي، نتيجة جيلين من الدعاية الفعالة التي قدموا فيها قصتهم وأضفوا صفة إنسانية عليها، بينما عمدوا إلى تشويه سمعة الخطاب الفلسطيني، فنزعوا عنه طابعه الإنساني واختزلوه في كاريكاتير مهدِّد وخطير. ونتيجة لهذا الجهد الدعائي المستمر، ما زال الأميركيون يميلون إلى دعم الإسرائيليين على الفلسطينيين. لكن بشكل متزايد، أخذ الأميركيون، وخاصة الديمقراطيين، يتساءلون بشأن السلوكات الإسرائيلية. وهذا الانقسام بين الحزبين هو في الحقيقة انقسام ديموغرافي حيث يدعم المسيحيون البيض، المنتمون للطبقة المتوسطة، إسرائيل بشكل أكبر، فيما يميل الأميركيون السود واللاتين والآسيويون الشباب والأكثر تعلماً نحو الفلسطينيين، كما يميلون أكثر إلى معارضة السياسات الإسرائيلية. هذه الهوة بدأت تتطور قبل 30 عاماً عندما شرع البروتستانتيون المسيحيون اليمينيون، المعروفون بتعلقهم الأيديولوجي بإسرائيل، يسيطرون على الحزب الجمهوري. وعندما تولى بيل كلينتون عملية أوسلو للسلام واحتضن إسحاق رابين وياسر عرفات، تبنى الديمقراطيون موقفه، لكن الجمهوريين ردوا على ذلك بتبني أجندة «الليكود» المعادية للسلام. ثم توسعت الهوة أكثر في عهد أوباما، حيث وجد نفسه أمام عراقيل من الجمهوريين وجهود نتنياهو المعرقِلة. واليوم وفي ظل تماهٍ تام بين ترامب ونتنياهو، تعمَّق هذا الانقسام الحزبي وزاد. ترامب والجمهوريون وقاعدة دعمهم المسيحية اليمينية أصبحوا مقترنين بنتنياهو، لكن هذا أمر يثير قلق وانزعاج الديمقراطيين والناخبين الذين يشكّلون قاعدة الحزب الديمقراطي. ويذكر هنا أن أي مسؤول ديمقراطي لم يحضر حفل افتتاح السفارة في القدس، رغم تلقيهم الدعوات، وأن أي ديمقراطي من الكونجرس لم يحضر حفل الاستقبال الذي نظمته السفارة الإسرائيلية في واشنطن بهذه المناسبة. غير أنه ينبغي التنبيه إلى الآتي: إن الديمقراطيين في الكونجرس قد يكونوا ممتعضين من التقارب بين ترامب ونتنياهو، لكنهم سيواجهون ضغوطاً من اللوبي الإسرائيلي لكي يُظهروا التزامهم تجاه السياسات الإسرائيلية، على الأرجح عبر تمرير تدابير تشريعية متطرفة أو الإدلاء بتصريحات داعمة للموقف الإسرائيلي. لكن الكثير من المسؤولين المنتخَبين الديمقراطيين سيشعرون بالقلق لعدم انسجامهم مع ناخبيهم. ذلك أنهم في حاجة لإيلاء الاهتمام لتصاعد أصوات بديلة بين اليهود التقدميين، والانخراط المتزايد للأميركيين السود دعماً للحقوق الفلسطينية، والحركة التي أطلقها بيرني ساندرز والتقدميون في مجلس النواب. ولا شك في أن التغيير لن يحدث بين ليلة وضحاها، لكن عندما يأتي بالفعل، سيُنظر إلى أحداث الأسبوع الماضي المروعة باعتبارها لعبت دوراً في تغيير المواقف أكثر تجاه السياسات الإسرائيلية.