جعلنا الله وإياكم من عتقاء هذا الشهر الكريم وتقبل الله منا ومنكم أحسن ما عملنا، مبارك عليكم رمضان شهر الصيام والقيام، كلنا يعلم قوله تعالى، في الآية 185 من سورة البقرة،: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى? وَالْفُرْقَانِ ? فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» في هذه الآية إخبار بالشهر الذي نزل فيه القرآن وهو رمضان، وفيها كذلك أمر بصيام هذا الشهر، لكن السؤال الذي ينبغي أن نتفكر فيه لماذا رُبط الصيام بالقرآن في هذه الآية؟ قد يقول البعض إن رمضان نزل فيه القرآن وهذا رأي صحيح، وقد يرى البعض أن القصد هو أن نتلو القرآن في رمضان، وهذا ما يفعله جل المسلمين، لأن في تلاوة القرآن أجر عظيم الكل يعلمه. لكنني أرى سراً خفياً في هذا الأمر ألا وهو أن القرآن نزل في رمضان كي يعرض المؤمن عليه حاله بمقارنة واقعه وممارساته بأوامر الله تعالى في كتابه. الصيام فيه تزكية للنفس البشرية، هذا الأمر يقود إلى منزلة من الصفاء والنقاء الروحي مما يجعل المؤمن مهيئاً لتلقي الأوامر من الخالق سبحانه، والتأمل في الواقع الذي نعيشه كي نرى مدى قربنا أو بعدنا من منهج خالقنا. خلال حراكنا السنوي وعبر تحججنا بمتطلبات السعي، تنشغل قلوبنا وعقولنا بكثير من القضايا التي تجعلنا نغفل برهة قد تطول عن التأمل في ذاتنا، فيهتم الوالد ببيته، وتنشغل الوالدة بولدها، ويتحجج الأبناء بدراستهم ومتطلبات زمانهم، وندور جميعاً في رحى الحياة التي تطحننا في دوامة غير متناهية الأبعاد، ملخصها أننا فعلنا كي شيء لكننا ابتعدنا عن أنفسنا، مما لا شك فيه أن السعي للنجاح ضرورة بشرية وقربة إلهية. فنحن نتقرب إلى الله بالعمل كما نناجيه بالعبادات، لكن هذه الدوامة قد تجعلنا ندمن على أمر ونُفرط في الآخر، فيأتي رمضان كي نعود من جديد إلى ذواتنا نتعهدها بما يصلحها، وما أجملها من مناسبة أن نجري خلالها ذلك التقويم العملي لمسيرة حياتنا، فكلنا سالك درب نعرف أن نهايته الآخرة، فماذا أعددنا لها؟ خلال خلوة المؤمن مع نفسه يحتاج إلى مقياس يضبط خلاله علاقته بخالقه، وهنا يأتي دور القرآن كمنهاج للحياة، يعرض المؤمن تاريخ سنته على هذه الرسالة السماوية وينظر في حاله، فإن وجد انحرافاً عن الصراط المستقيم في أي ركن من ممارساته، فإن رمضان برهة من الزمان مناسبة لتعديل ما أعوج من أمورنا وإصلاح ما فسد من قلوبنا. وهذا في تصوري أحد أهم أسرار الربط بين شهر الصيام وتنزل القرآن، لذلك أوصي نفسي وإياكم بعدم الاستعجال في تلاوة هذا الكتاب الكريم، وإتاحة الفرصة لذواتنا كي نعرف مدى التزامنا بقواعده الكلية. ومن هنا فإن رمضان شهر للصيام وهو ميزان للإنسان. الأمر الثاني الذي نعرفه من رمضان أنه شهر الإحسان، وقد جاء في الصحيحين «كان رسول الله صلى الله عليهم وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان». شهر الجود بمعانيه الواسعة، وأفضل الجود ما يمتد نفعه للبشر، خاصة أهل الضرورة منهم، وما أجملها من مناسبة تلك التي كرّم خلالها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله ورعاه، كوكبة من أهل السخاء في الدورة الثانية من صُناع الأمل، والتي تفاعل معها 87 ألف مشارك من كافة أرجاء وطننا العربي الجميل، حيث رأينا قوة الإنسان العربي عندما يكون الإحسان غايته، ولأن الإمارات بلد السخاء دون مقابل، منح راعي المبادرة جميع المتأهلين الخمسة جائزة مليون درهم لكل منهم، وأمر سموه بإطلاق أكاديمية صناع الأمل برأس مال 50 مليون درهم، هذه هي مدرسة زايد لمن يسأل عنها.