يشهد العام الجاري الذكرى السنوية السبعين لتقسيم فلسطين إلى منطقتين عربية وعبرية، وذكرى حرب عام 1948، وفي الغرب تُذكر تلك الأحداث على أنها مهّدت الطريق لقيام إسرائيل. لكن بالنسبة لشعوب الشرق، فللأحداث معنى آخر، فعام 1948 يعرف ب«عام النكبة» الذي دُمّرت فيه فلسطين، وطُرد شعبها وتم تشتيته. ونتيجة لتلك النكبة أُجبر مئات آلاف المواطنين الفلسطينيين على الخروج إلى المنفى ليصبحوا لاجئين ينتظرون العودة إلى ديارهم، بينما تحول آخرون إلى غرباء في وطنهم يعيشون تحت نير الاحتلال الإسرائيلي. ثم فاقم الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 من تلك المأساة الوطنية للشعب الفلسطيني، وأدى إلى نزوح زهاء نصف مليون لاجئ جديد، ووضع مليون فلسطيني آخرين تحت حكم الاحتلال العسكري الإسرائيلي. وفيما تمخضت تلك الأحداث عن الكابوس الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، فإن الغرب تجاهل معظمها. ولم تجد المطالبات الفلسطينية المتكررة بالاعتراف والعدالة سوى آذان صماء، خصوصاً في الولايات المتحدة، لاسيما في ظل صخب أولئك الذين احتفوا بسلب الشعب الفلسطيني وطنه لمنحه لليهود، وب«الانتصارات العسكرية» التي جعلت ذلك ممكناً. وقد ارتكز ذلك الاحتلال على ترحيل الشعب الفلسطيني وإنكار حقه في تقرير مصيره، إلى جانب المعاناة التي قاساها. لقد كان الفلسطينيون ضحايا، لكنهم في الولايات المتحدة كانوا «ضحايا مخفيين»، فالأميركيون يعرفون الإسرائيليين كشعب، لكنهم لا يعرفون الفلسطينيين كعشب، بل على النقيض، تعرّض الفلسطينيون (والعرب عموماً) لسنوات من التشويه وحملات التشهير وتعميم صورة ذهنية سلبية عنهم. ونتيجة لذلك، لا يُنظر للفلسطينيين في الولايات المتحدة باعتبارهم بشراً لهم حقوق متساوية، وعندما يُذكر الفلسطينيون فإنه يُشار إليهم باعتبارهم «المشكلة الفلسطينية» التي تواجه إسرائيل.. المشكلة التي يتعين حلها بحيث يمكن للإسرائيليين العيش بسلام! لذا، كتبت قبل أربعة عقود كتاباً بعنوان: «الفلسطينيون.. الضحايا المخفيون»، ولم يكن عبارة عن لائحة بأعمال القمع الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وإنما كان استقراءً لأيديولوجية وممارسات الحركة الصهيونية وراعيها البريطاني، فهما سويّاً مسؤولان عن إنكار حقوق الفلسطينيين وما تبع ذلك من حملات تشويه وقمع ضد الشعب الفلسطيني. وبقدر ما يرى الغربيون الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور تلك الأيديولوجية، لا يمكنهم رؤية الكابوس الذي تسببت فيه للفلسطينيين، ولا رؤية الفلسطينيين أنفسهم. وقصة طريقة تعامل الصهيونية مع الشعب الفلسطيني ليست تاريخاً قديماً، وإنما هي التي مهّدت الطريق لما يحدث في فلسطين حالياً. وتساعدنا معرفة ذلك على فهم أفضل للجهود الإسرائيلية المنهجية لسلب أراضي الشعب الفلسطيني وحقوقه، والإخفاق المستمر من جانب الدول الغربية في مواجهة تلك الانتهاكات الإسرائيلية. ولا يزال الفلسطينيون مخفيين، وقصصهم الشخصية يتم تجاهلها أو اختزالهم في مجرد مشكلة يجب حلّها لضمان أمن إسرائيل. ومنذ أن كتبت «الفلسطينيون.. الضحايا المخفيون»، تغيرت أمور كثيرة، لكن أموراً كثيرة لا تزال كما هي. فعملية سلام «أوسلو» انتهت بعد أن كانت مصدراً للأمل. وتحولت السياسة الإسرائيلية إلى جناح اليمين المتطرف. وخلال العقود الماضية، واجه المواطنون الفلسطينيون تحديات جمة، وبزغوا كقوة سياسية تحارب من أجل المساواة والعدالة لأنفسهم تحت وطأة الاحتلال أو اللجوء في أصقاع الأرض. وأولئك الفلسطينيون الذين يعيشون تحت الاحتلال، يواصلون المقاومة والمطالبة بالحرية. ورغم المحاولات المستميتة لتفريقهم ونزع ملكيتهم وإلغاء هويتهم، بنى الفلسطينيون مؤسسات وحافظوا على ارتباطهم بالأرض. ومن أبرز تطورات الأعوام الأخيرة ظهور أصوات إسرائيلية وغربية تتقاسم مع الفلسطينيين معارضة الاحتلال والدفاع عن حقوق الإنسان، وتفضح الأيديولوجية الصهيونية وضحاياها الذين ما فتئت تحاول إخفاءهم.