يعيش العالم الإسلامي اليوم محنة حقيقية، تتجاوز الانقسام المذهبي، الموغل بعيداً في الماضي، والذي تنطلق منه جماعات العنف والإرهاب والتطرف لتقديم مبررات لقيامها بأفعالها الإجرامية، إلى الصراع الدموي على خلفية فهم الدين ذاته بين أطراف عدة متنازعة، وفي خضم هذا الصراع ننسى أن الجماعات الإرهابية منذ ظهورها في ثلانينات القرن الماضي وإلى الآن، وآخرها «داعش»، هي نتاج الاستخبارات الغربية، واتساع نشاطها اليوم يتم بإشراف ودعم تلك الجهات، وقيامها ببعض العمليات، في كثير من دول العالم، يأتي ضمن السياق العام لانتشار الإرهاب، فهو اليوم لغة العصر، ومنتشر في كل مجالات الحياة، لكن ماذا عن الإرهاب في منطقتنا، بامتدادها الجغرافي الواسع؟ في ندوة حول «الإرهاب في المنطقة»، نظمها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أمس الأول، تناولت تطور ظاهرة الإرهاب في المنطقة في السنوات الأخيرة، وآليات مواجهتها، تحدث الجنرال «جهانجير كارامات»، الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة في القوات المسلحة الباكستانية، في المحور الأول للندوة، عن مخاطر الإرهاب على الاستقرار الإقليمي، وكيف باتت الجماعات الإرهابية المصدر الأكبر لتهديد هذا الاستقرار على نحو ما يقوم به تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي استطاع أن يمد نفوذه إلى العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط وخارجها. وفي المحور الثاني للندوة، تحدثت «رنا رحيم»، سفيرة باكستان السابقة في الجمهورية اللبنانية، عن الأسباب السياسية لصعود الإرهاب في المنطقة، وتطرقت إلى بعض الجماعات التي تم تصنيفها إرهابية من قبل بعض الدول، ومنها جماعة «الإخوان» التي انتقلت من جمعية خيرية إلى حركة سياسية؛ و«القاعدة» التي نشأت في سياق الحركة «الجهادية» ضد الوجود السوفييتي في أفغانستان، وتناولت بالتحليل أحداث ما يسمى «الربيع العربي» الذي أدى إلى تقويض الاستقرار السياسي، وساهم في تفاقم ظاهرة الإرهاب في المنطقة؛ ثم تطرقت إلى دور إيران في تصدير الثورة، وإقامة إمبراطورية فارسية في المنطقة. لقد تكفلت الندوة بالإجابة عن سؤال: «ماذا عن الإرهاب في منطقتنا»، لكن أهميتها تكمن في أمرين الأول: أن الإمارات سباقة في متابعة ودراسة قضايا المنطقة، عبر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وهي بذلك توفر فضاءً للنقاش الحر بعيداً عن التأويلات السياسية، الأمر الثاني: أن هذه الندوة جاءت بعيد الذكرى الثمانين لوفاة الشاعر والفيلسوف الباكستاني الدكتور محمد إقبال (21 أبريل 1938) الذي أبدع في مجالات السياسة والفكر والأدب والفلسفة بلغات عدة، منها الأردية والعربية والفارسية والألمانية والإنجليزية، حاملاً لواء التجديد، ومدافعاً شرساً عن الإسلام وتاريخه وتراثه، ومخاطباً الغرب بلغته وأسلوبه، من دون أن يغرقه ذلك في ما يعرف اليوم بالأصولية الدينية، حتى حين أصبح رئيساً لحزب «العصبة الإسلامية» في الهند، ونادى بضرورة انفصال المسلمين عن الهندوس، ودعا إلى تأسيس دولة إسلامية اقترح لها اسم باكستان، وهو ما تحقق بعد وفاته بتسع سنوات. لقد عمل محمد إقبال على الاهتمام بقضايا المسلمين، عبر التغيير في الداخل والدخول في حوار مباشر مع الآخرـ الغربي تحديداً ـ بأسلوب يرفضه الإرهابيون اليوم، بل ويرفضه أيضاً كثير من الذين يعملون جاهدين على محاربة الإرهاب، وعلى خلاف ما هو شائع اليوم في نظرتنا للقدس، وإشاعة الجماعات الإرهابية للفتن والحروب والفوضى لإشغالنا عن تحرير فلسطين، فقد حمل لواء الدفاع عنها، كما جاء في أقواله في افتتاح المؤتمر الإسلامي العام عام 1931: «على كل مسلم عندما يولد ويسمع كلمة لا إله إلا الله أن يقطع على نفسه العهد على إنقاذ الأقصى».