قمة تاريخية عقدت للتو بين الرئيسين الكوريين، وأخرى في الطريق بين الرئيسين الأميركي والكوري الشمالي. والحال أنه قبل أربعة أشهر فقط كان شبح الحرب النووية يلوح في الأفق. واليوم، يبدو أن السلام أضحى في متناول اليد. فمن الفائز الحقيقي في هذا التحول؟ كثيرون يعتقدون أنه الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، فيما يرجح آخرون أن يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب. لكن لا أحد يشير إلى الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن، المهندس الكبير والفائز الحقيقي، رغم أن ذكاءه أثناه عن التقدم إلى واجهة المشهد من أجل ترك اللاعبين الآخرين يتسابقان على نسبة النجاح إلى نفسيهما. والواقع أن كيم جونغ أون حقق نصراً مزدوجاً: اعتراف دولي، وقمة مع الرئيس الأميركي لم يستطع والده ولا جده عقدها. نصر يمكنه أن يتباهى أمام شعبه. أما ترامب، فأضاف لرصيده نجاحاً لا علاقة له به سوى أنه لم ينسفه فحسب. غير أنه سيقول بأن تهديداته أتت أكلها وجعلت الزعيم الكوري الشمالي يستسلم، وإن استراتيجية المجنون التي اتبعها، «أمسكوني وإلا فسأرتكب ما لا تحمد عقباه»، هي التي أوصلت إلى هذا الاتفاق غير المتوقع. لكن من الذي ألح على الاحتفاظ بقنوات الاتصال مع كوريا الشمالية مفتوحة، فيما كان فيه كيم وترامب يتبادلان التهديدات ويتباهيان بحجم زريهما النووين؟ ومن كانت لديه الجرأة والشجاعة لأخذ مسافة من الحامي الأميركي الذي بدا أقرب إلى التهديد؟ ومن الذي لم يستسلم لإغراء التصريحات العدائية التي ترضي الجمهور، لكنها قد تفضي إلى كارثة؟ إنه بالطبع الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن، الذي اتّبع سياسة «الشمس المشرقة» التي أطلقها معلمه كيم داي جونغ. لقد أثبت مون جاي أن الطريق الدبلوماسي لم يكن طريق الاستسلام، وإنما الطريق الذي يأتي بحلول. لكن، ما الذي سيأتي به هذا الاتفاق؟ الواقع أنه لا ينبغي الوقوع في التفاؤل المفرط، فتوقيع اتفاقية سلام بين الكوريتين سيمثل نتيجة إيجابية تسمح بوضع حد لآخر نزاع موروث عن فترة الحرب الباردة. والواقع أن هذا الوضع يذكّر بحل الأزمة الكوبية؛ حيث صُوِّر الرئيسُ الأميركي جون كينيدي على أنه المنتصر لأنه حصل على انسحاب الجنود السوفييت، بينما الفائز الحقيقي كان نيكيتا خروتشوف، الذي اعتبره كثيرون مهزوماً، إذ سمح بإطالة عمر النظام الكوبي. لكن الاثنين معاً سمحا بإبعاد شبح حرب نووية. وبالمقابل، هناك احتمالان سيظلان ضئيلين؛ فأولاً، لا أحد يرغب في إعادة توحيد شطري شبه الجزيرة الكورية حالياً: كيم، لأنه سيفقد السلطة؛ ومون جاي إن، لأنه سيضر ببلده. وبالتالي، فهذا السيناريو يشكّل احتمالاً الآن، لكن من مزايا إعلانه على الأقل تهدئة الوضع. ذلك أن كيم يمكنه أن يأمل في نيل مساعدة اقتصادية ستكون كوريا الجنوبية مستعدة لتقديمها له مقابل خفض التوتر. وهكذا، فالجميع يبدو فائزاً. لكن هل معنى ذلك الاتفاق مع نظام دكتاتوري؟ إنها المؤاخذة الذي تبناها «الصقور» عندما أطلق نيكسون ومستشاره للأمن القومي كيسنجر سياسة «الانفراج» مع الاتحاد السوفييتي. لكن تلك السياسة أثبتت أنها كانت مفيدة أكثر من شراسة الحرب الباردة. لكن، هل تقدم كوريا الشمالية على تجريد نفسها من السلاح النووي بطريقة فعالة وقابلة للتحقق؟ هذا غير مؤكد البتة. إذ لماذا يتخلص كيم من «تأمين الحياة» الذي لديه؟ من الوارد أن يلتزم كيم بالتجرد من السلاح النووي نظرياً، دون أن يقوم بذلك عملياً. غير أنه يستطيع الاعتماد على نماذج بعض القوى النووية الرسمية التي تلتزم، وفق اتفاقية حظر الانتشار النووي التي دخلت حيز التنفيذ في السبعينيات، بالتفاوض حول اتفاقات نزع الأسلحة، قد تؤدي لنزع كامل للسلاح النووي في أجل غير مسمى! وخلاصة القول هي أن توقيع اتفاقية سلام أمر ممكن، لكن إعادة التوحيد ونزع السلاح النووي يظلان احتمالين ضئيلين. غير أنه بغض النظر عن هذه العيوب، يجدر بنا أن نسعد بهذا النجاح في تهدئة أزمة قد تكون كارثية. *مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية -باريس