كَثِيرة هي الكتابات التي تناولت بالبحث والدراسة منطقة الخليج، وخاصة وضعها الأمني، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى متسع وشامل، ومتغير أيضاً، بعض من تلك البحوث والتقارير والدراسات لا تزال صامدة إلى اليوم في وجه المتغيرات ـ سنوات السلم والحرب ـ ومنها اختار لنا الدكتور نايف علي عبيد، 37 تقريراً ودراسة، تناولت قضايا الخليج من زاوية مختلفة ــ ست منها من تأليفه و31 الأخرى لباحثين عرب وأجانب، ومراكز بحثية واستراتيجية، قام بدراستها وترجمتها، شملها كتابه الجديد«أمن الخليج.. تقارير ودراسات»، الصادر عن مركز سلطان بن زايد في 29 أبريل الماضي( 2018). للوهلة الأولى، يَتَّخذ القارئ موقفاً انتقادياً، يتضمنّه السؤال التالي: ما معنى أن يعيد مفكر وباحث مثل نايف عبيد نَشْر دراسات الآخرين في كتابه الجديد، مع أنه خبير في هذا المجال، وله عدة مؤلفات يعود إليها صنّاع القرار قي الدول الخليجية، وأخرى تدرس ضمن المقررات الجامعية، ويسترشد بآرائه في القضايا المستجدة التي تهم المنطقة؟.. غير أنه حين يتعمق في قراءة الكتاب، يكتشف أن الدكتور نايف عبيد قَدَّم خدمة جليلة للمكتبة العربية وللباحثين والدارسين من زاويتين: الأولى: تتعلق باختيار هذه التقارير والدراسات التي بين أيدينا، من ضمن دراسات كثيرة، عدداً ونوعاً، ليزيح عن الباحثين العرب عناء الاختيار والتمييز، وهو المتمكن والخبير في هذا المجال، والثانية: تشكيل رؤية معرفية لدى الأجيال، انطلاقاً من مرجعيات بحثية تراكمت لسنوات، والنظر في توقعاتها بما يتناسب مع طبيعة المرحلة. في هذا الكتاب ينقلنا نايف عبيد إلى فضاء واسع باتساع الخليج نفسه، تتحرك فيه الأفكار والرؤى من أشخاص ومؤسسات، ضمن تقارير ودراسات هي أقرب للوقائع، وقد شملت أسماء مهمة في مجالها ومراكز بحثية معروفة، ودوريات محكمة، وهي حسب ترتيب المواضيع في الكتاب: الدكتورة رومازي هوليس، ومجموعة من الباحثين شاركوا في المؤتمر السنوي الثاني لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، و جودت بهجت، ونيكولا ب شهجلديام، وعبد المنعم المشاط، وغراهام أي فولر، وجريجوري جاوز، ولورنس ج بوتر، وعبد الجليل زيد مرهون، وحسن جوهر، وعبد الله محمد، وحسن نافعة، وعبد العزيز محمد الدخيل، وجيفري كامب، وعلي الدين هلال، وشمّا بنت محمد بن خالد آل نهيان، وعبد الخالق عبد الله، وإبراهيم خالد عبد الكريم، وأف جريجوري جوس، ومجموعة باحثين مشاركين في ندوة امن الخليج العربي وتحديات القرن الواحد والعشرين في بيت الحكمة ببغداد، وعلي محمد فخرو، وعدنان أمين شعبان، والتقرير السنوي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، وعلي أحمد الغافلي، ومجموعة باحثين شاركوا في مؤتمر الشرق الأوسط، الذي عقده مركز زايد للتنسيق والمتابعة، ورعد القادري، ودورية ميدل إيست بوليسي، بالإضافة إلى دراسات للمؤلف نايف عبيد. هذه التقارير والدراسات بتنوعها واختلاف مشاربها، وتوجهات أصحابها وأهدافهم، تكشف عن أهمية منطقة الخليج، وإعادة تصنيفها ونشرها في الكتاب لا يعني اتفاق المؤلف ـ كما يذكر ـ مع كل ما ورد فيها من آراء، خاصة وأنها نتاج فترات زمنية لها سياقات مختلفة( من 1995، وإلى غاية 2016)، وطرحها اليوم يعيدنا ـ في من محاولة الكاتب لإنعاش الذاكرة ــ إلى إدراك أن أحداث اليوم في المنطقة قد تأسست منذ سنوات من الفَاعِلِين المُؤَثِّرين في الخليج، ومن أهله أيضاً، وأن هناك قراءة جديدة توشك أن تعم، تتَّخِذُ من التقرير والدراسات المنشورة في هذا الكتاب مرجعيَّة لتقييم معطيات الحاضر، لكنها تأخذ بعين الاعتبار التغيُّرات الطارئة والتداعيات المصاحبة لها من حرب، ومقاطعة، وتغير في القوتين الصلبة والناعمة، ما يوحي بميلاد خليج جديد، برؤى أمنية وريثة سابقتها في الماضي القريب، ولكنها مختلفة عنها، أسلوباً، ومنهجاً، وأهدافاً.