لا شك في أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق «مايك بومبيو» شخص مميز ومؤهل ليصبح وزيراً للخارجية. وهو ما يقودنا إلى التساؤل حول سبب رفض «الديمقراطيين» في مجلس الشيوخ التصويت لصالحه من أجل تثبيته في المنصب الجديد. ويبدو أن دافعهم هو أن الناخبين المتحفزين من «التقدميين» الذين يشكلون جوهر الغضب في «جبهة مقاومة ترامب»، قد طلبوا ذلك. ومثلما كتب الكاتب والمؤرخ العسكري «فيكتور دافيس هانسون» في دورية «ناشيونال ريفيو» خلال الأسبوع الجاري: «إن هدف ما تسمى (مقاومة ترامب) هو إنهاء رئاسة ترامب بأية وسيلة ممكنة قبل انتخابات عام 2020». ورسالة الناخبين «التقدميين» إلى ممثليهم في الكونجرس واضحة: عارضوا دونالد ترامب في كل أمر، وفي كل وقت وما دون ذلك! ومن الناحية العملية، يعني ذلك أن «الديمقراطيين» في الكونجرس من المتوقع ألا يفوتوا شاردة ولا واردة إلا وعارضوا أي ترشيح أو أية مبادرة لدونالد ترامب، وهو ما يعيدنا مرة أخرى إلى «بومبيو». و«بومبيو» هو قائد مشهود له، ومحارب قديم في الجيش الأميركي، تخرج من أكاديمية «ويست بوينت» العسكرية، وعمل محرراً في دورية «هارفارد القانونية»، وتدرج بنجاح في أعلى المستويات الحكومية. وبمعارضة شخص بقدر «بومبيو»، فقد سمح «اليساريون» لاعتراضهم على الرئيس بتقويض تقديرهم السياسي، وبمعارضتهم العمياء لأي شيء وكل شيء يمت لترامب بصلة، فقد قوض «الديمقراطيون» إدراكهم للصواب والخطأ بل للإنصاف في حد ذاته. وعادة لا يتصور المرء أن تعيين وزير خارجية سيكون مناسبة مفيدة لخوض معركة أو إظهار عداوة. فجون كيري على سبيل المثال حظي بتأييد ساحق في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في عام 2013 عندما تم تثبيته في المنصب. وكذلك حصلت هيلاري كلينتون على أغلبية تأييد في عام 2009، ولم يصوّت سوى «جمهوري» واحد في اللجنة ضد تثبيتها. وليس من الصعب أن نتصور أن «الجمهوريين» في ذلك الوقت كانوا يختلفون مع كلا المرشحين بشأن سلسلة عريضة من القضايا. غير أن «الجمهوريين» لم يجعلوا من عملية الثبيت موضع سخرية، ولم يُقزّموا مجلس الشيوخ، ولم يحرجوا أنفسهم. ولم تحرّك جهود «الديمقراطيين» ضد «بومبيو» أية أهداف سياسية خاصة، أو حتى تُحرز أية نقاط سياسية لدى أي شخص خارج دائرة المعارضين الشرسين لترامب. ويكشف ذلك أنه لا توجد لدى «الديمقراطيين» أجندة ثابتة، وأن هدفهم الوحيد هو كل ما يؤيده ترامب. وقد اعتقد «الديمقراطيون» أنهم بإحراج ترامب ومحاولة عرقلة تعيين «بومبيو»، فإنهم من الممكن أن يحافظوا على سيطرتهم على التقدميين. لكنهم في الواقع أهدروا وقت الجميع، وأهانوا أنفسهم، وأسهموا على الأقل في إضعاف النظام السياسي الأميركي. إد روجرز مستشار سياسي أميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»