عقد المعهد العربي الأميركي النسخة العشرين من احتفالية جوائز الأديب الكبير جبران خليل جبران للأعمال الإنسانية. ويقدم ذلك الحدث السنوي للأميركيين من أصول عربية فرصة تكريم المنظمات والقادة والنشطاء من أرجاء العالم الذين قدموا خدمات جليلة للإنسانية. وفي أثناء العقدين الماضيين، كرّم المعهد شخصيات مرموقة مثل: محمد علي كلاي، وليخ فاونسا، رئيس حركة التكافل العمالية ورئيس وزراء بولندا الأسبق، والملكة نور الحسين، والرئيسة السابقة لبولندا والمفوضة السامية لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة «ماري روبنسون». وفي السنوات السابقة، تم أيضاً تكريم منظمات مثل «العفو الدولية» و«مستشفى سانت جود البحثية للأطفال» و«أنقذوا الأطفال». وقد تم تكريم أولئك الأفراد وتلك المؤسسات ليس فقط بسبب أعمالهم، ولكن أيضاً بسبب نماذجهم التي ألهمتنا لتقليد جهودهم. فالنور الذي أضاؤوه مثل منارة في ليلة حالكة الظلام تذكرنا بأن هناك دعوة أسمى هي خدمة أولئك المستضعفين والمساكين. وكانت جوائز العام الجاري من نصيب أشخاص استثنائيين، فقد قاد الطاهي العالمي الشهير «هوسيه أندرس» تنسيق جهود ضخمة للإغاثة الغذائية لإنقاذ ضحايا الكوارث الطبيعية. وفي بداية عام 2010 عقب الزلزال الذي دمر هايتي، أسس «هوسيه» شبكة «المطبخ المركزي العالمي»، وهو مكون من مجموعة واسعة من الطهاة الملتزمين بتقديم حلول مبتكرة للقضاء على الجوع في العالم. ويعمل «المطبخ المركزي العالمي» حالياً في ثماني دول، افتتح فيها مطاعم لإطعام من يعيشون في مجتمعات ومنازل تعرضت للدمار. وبعدما دمر «إعصار ماريا» «بورتو ريكو» في 2017، قاد «أندرس» بصورة شخصية جهوداً لتأسيس 25 مطبخاً في أنحاء الجزيرة قدمت ملايين الوجبات لمن لا يمكنهم الحصول على غذاء. ومع بلوغ الطاقة القصوى، كانت الشبكة تقدم 150 ألف وجبة يومياً. وفي نهاية المطاف، أطعم «المطبخ المركزي العالمي» بقيادة «أندرس» أشخاصاً أكثر من أية برامج أخرى أسستها الولايات المتحدة أو الصليب الأحمر. من جانبه، كان اتحاد الحريات المدنية الأميركي، خلال القرن الماضي، مدافعاً بارزاً في الولايات المتحدة عن الحريات المدنية. وقد سعى جاهداً لحماية حرية التعبير وحارب من أجل حماية الجاليات المستضعفة التي كانت حقوقها مهددة بالقمع الحكومي. وقد كان الاتحاد واحداً من المنظمات القليلة التي تجرأت على مواجهة احتجاز اليابانيين أثناء الحرب العالمية الثانية، وفي العقود التالية للحرب، تولى الاتحاد دور القيادة في معارضة قوانين الفصل العنصري التي كانت قد منعت الأميركيين من أصول أفريقية من حق التصويت وضمان المعاملة المتساوية بموجب القانون. ومؤخراً، دافع «اتحاد الحريات المدنية الأميركي» عن حقوق العرب والمسلمين الذين يواجهون تمييزاً ومراقبة حكومية غير قانونية وقيوداً على حرية التعبير وجهوداً لتقييد حرياتهم الدينية. وقد نجح الاتحاد بالفعل في عرقلة بعض قوانين الولايات التي حاولت تجريم تقديم الدعم لحركة «مقاطعة إسرائيل». وفي الوقت الراهن، يعتبر قوة رائدة في تحدي الحظر على المسلمين واللاجئين الذي تحاول الإدارة الحالية فرضه. وأما الأيرلندية «فرانسيس بلاك» فهي رائدة وأنموذج يحتذى به في الالتزام بحماية المستضعفين وتحدي السياسات الحكومية عند وجود تقصير. وهي مطربة أيرلندية مشهورة، ونالت جوائز كثيرة، وقد دفعت بها مسيرتها إلى الخدمة العامة حيثما وجدت أناساً محتاجين. وقبل الترشح لمنصب منتخب، أسست «بلاك» مؤسسة «ذا رايز» في عام 2009، من أجل تقديم الدعم والخدمات لأولئك الذين أشارت إليهم بـ «الضحايا الصامتين» للإدمان على المخدرات والكحوليات. واشتهرت بقولها: «إن هناك برامج لإعادة تأهيل المدمنين، لكن قبل (رايز) لم يكن هناك من يرعى أفراد أسرهم الذين تعرضوا للإهمال وعانوا في الظلال». وكعضو مجلس شيوخ، قدمت رؤية شاملة، لتصبح مدافعة بارزة عن المهاجرين والمشردين. و«بلاك» أيضاً رئيسة «مجموعة عمل فلسطين» في مجلس الشيوخ الأيرلندي، التي تقود جهوداً مضنية لحمل أيرلندا على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولتكون أكثر قوة في معارضة الاحتلال والسياسات الاستيطانية الإسرائيلية. وبتكريم أولئك الأبطال، يسعى المعهد إلى إحياء القيم والسلوكيات التي تمثل أفضل ما في إنسانيتنا، وتلك القيم التي دعا إليها الشاعر الأميركي اللبناني السوري الكبير «جبران خليل جبران». وقد كتب جبران كثيراً قبل قرن مضى، عن أهمية خدمة المحتاجين، ووصفها بأنها «أسمى دعوة في الحياة». وكان يقول: «إن الخدمة تجلب السرور». وتنطبق كلمات جبران على كل الأماكن والأزمان.