تمتع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بتأييد شعبي كبير وقاد حزب بهاراتيا جاناتا إلى انتصار كاسح عام 2014 في الانتخابات العامة. لكنه بدأ حالياً يواجه بعض التراجع في الشعبية في الوقت يسعى فيه لإعادة انتخابه والفوز بفترة ولاية ثانية عام 2019. فقد قوبلت زيارة «مودي» للمملكة المتحدة في الأيام القليلة الماضية باحتجاجات كبيرة بسبب حالات اغتصاب هزت البلاد. ويواجه رئيس الوزراء الهندي معارضة شديدة ويتعرض لانتقادات لتقاعسه عن الاستجابة الآنية على هذه المشكلة رغم أن حكومته قررت حالياً أن تشدد العقوبات على مرتكبي جريمة الاغتصاب لتفرض عقوبة الإعدام لمن تثبت إدانتهم باغتصاب طفل يقل عمره عن 12 عاماً. وتواجه الحكومة الهندية انتقادات شديدة في الداخل لأن أعضاء من الحزب الحاكم اتضح أنهم متورطون في حالات الاغتصاب في الآونة الأخيرة. وفي منطقة «جامو»، وهي جزء من ولاية كشمير لكن غالبية سكانها من الهندوس، تعرضت طفلة في الثامنة من عمرها وهي تنتمي لجماعة بدوية مسلمة تعرف باسم «بقروال» للخطف والتخدير والاغتصاب لعدة أيام في معبد هندوسي. وكان حافز المغتصبين هو الرغبة في إخراج الجماعة المسلمة من القرية التي غالبيتها من الهندوس. واُتهم في القضية ثمانية أشخاص من بينهم رجل شرطة محلي. وأعلنت جماعة هندوسية قومية يمينية، تطلق على نفسها «منتدى الوحدة الهندوسي» وتدعم حزب «بهاراتيا جناتا» الحاكم، دعمها للجناة. وما أثار دهشة الجميع أن اثنين من وزراء الحكومة المنتمين للحزب الحاكم شاركا في احتجاجات استثنائية أيدت المتهمين بالاغتصاب. وهناك جريمة ثانية اتهمت فيها فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً من ولاية «اترابراديش» مشرعاً بارزاً في حزب «بهاراتيا جناتا» وبضعة أشخاص آخرين باغتصابها. وعززت الجريمة الضغط الشعبي الهائل بعد أن حاولت الضحية الانتحار. ووضعت كلتا القضيتين حزب «بهاراتيا جناتا» في موقف الدفاع لأنهما تضمنتا تورط مشرعين من الحزب الحاكم في الولاية. ورغم أن رئيس الوزراء «مودي»، الذي يسعى لإعادة انتخابه عام 2019 أكد في عدة مناسبات من قبل على تركيزه على توفير الأمن والسلامة للنساء، لكن حكومته فشلت حتى الآن وبشدة في توفير الأمن والسلامة للنساء في البلاد. وأصبحت جرائم اغتصاب الأطفال من منغصات الحياة، وتثير القلق في الهند التي تناضل كي توفر بيئة آمنة للنساء والفتيات الصغيرات. وتشير بيانات الإدارة الوطنية للبحث الجنائي إلى أن معدل اغتصاب الأطفال ارتفع 151% في السنوات الخمس الماضية. وشهد عام 2016 وحده 19765 حالة اغتصاب للأطفال وأكثر من 80% من المتهمين في هذه القضايا من أفراد الأسرة أو من معارفها. ومازالت الهند مجتمعاً محافظاً إلى حد كبير يفضل الذكور على الإناث. ومازال قتل الأنثى وهي جنين مشكلة اجتماعية، ومازالت الأسر تعتبر الإناث عبئا لأنهن يحتجن إلى أموال كثيرة لإعدادهن للزواج. والاغتصاب ليس القضية الوحيدة التي تقض مضاجع حكومة «مودي» وتعرضها للانتقادات. فقد تذكرت الهند من جديد في الأيام القليلة الماضية عدم شعبية منع الحكومة التعامل بأوراق نقد ذات فئات كبيرة في عام 2016. وكان الإجراء يستهدف النقود الموجودة خارج نطاق الاقتصاد الرسمي، وأدى الإجراء إلى سحب أكثر من 80% من العملات المتداولة مما أدى إلى نقص في النقد وأثر سلباً للغاية على المواطنين العاديين. وأدى هذا إلى نفاد النقود من آلات الصرف في أنحاء كثير من البلاد، وجعل الناس لا يستطيعون الحصول على أموالهم. وأدى هذا إلى فوضى كبيرة وانتقادات للحكومة الهندية، التي لم تستطع تعليل النقص المفاجئ للنقد في البلاد. ويُضاف إلى هذا، ارتفاع الحوادث الطائفية بسبب تصاعد نشاط القوميين الهندوس اليمينيين منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة. وشاع إحساس بالقلق في البلاد بسبب استهداف الأقليات استناداً على أسباب واهية مثل التذرع بحماية الأبقار أو استفزاز هذه الأقليات بانتقاد معتقداتها الدينية. ومن العوامل البارزة الأخرى التي تساهم في تقلص شعبية الحزب الحاكم، التزام مودي الصمت تجاه هذه القضايا القومية العويصة. ومن الأنباء السيئة الأخرى لحزب «بهاراتيا جناتا» الحاكم أن المعارضة بدأت حالياً تحصل على بعض الزخم في سبيل الاتحاد ضده. وفي اترابراديش، أكبر ولايات الهند، أدى اتحاد بين أكبر حزبين إقليميين إلى خسارة «بهاراتيا جناتا» مقاعده في انتخابات التجديد النصفي البرلمانية في الولاية. وهناك الآن محاولات لتوحيد المعارضة بعد النجاح الذي حققه هذان الحزبان الإقليميان. ولم يتضح بعد إذا كان حزب «المؤتمر» الهندي سينضم إلى هذا التحالف الذي مازال في مراحله الأولية. لكن هناك القليل من الشك في أنه بسبب كل العوامل السابقة، لن تكون انتخابات عام 2019 نزهة سهلة مثل انتخابات عام 2014 بل ستكون معركة مريرة تنتظر «مودي». * رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي