«إِنّي أُدِين».. كتاب من إعداد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، صدر في نوفمبر الماضي، وأهمية هذا الكتاب تكمن في أمرين، الأول: الجانب التوثيقي مصحوباً بالدراسة والاختيار، حيث اقتنى سموه عدداً من الوثائق الإسبانية الأصلية والمختومة بختم الملك نفسه، وهي ليست اجتهادات شخصية من قادة الجيش، بل من الملك والملكة تعود إلى الفترة ما بين عام 1530 وعام 1610، وهي فترة مأساة مسلمي الأندلس، وتمت ترجمتها إلى اللغة العربية، وبعد دراستها اختار عشر وثائق منها تدين فئات من الشعب الإسباني في تلك الفترة سواء أكان ملكاً أو قاضياً، أو كنسية أو جماعة من الناس لما قاموا به من جرم تجاه مسلمي الأندلس. الأمر الثاني: أن الكتاب يستنهض كل الضمائر، بما في ذلك الضمير العالمي في كل مراحل التاريخ منذ بدأت المأساة إلى الآن من خلال الإدانة، كما جاء في حوار تلفزيوني مع سموه بُثَّ عبر شاشة قنوات وأثير إذاعات مؤسسة الشارقة للإعلام، في الثاني من نوفمبر 2017، حيث قال: «أنا وضعت كتابي عن طريق الإدانة، وهي ليست كالاتهام بشيء، والإدانة ثبوت، ولذلك ما ورد في الكتاب ثابت، وأنا أستطيع أن أقدمه لأي محكمة الآن، 10 إدانات أستطيع عبرها محاججتهم للحصول على حقوق الأندلس، أريد أموراً كثيرة، فنحن كمسلمين أوضاعنا سيئة، وأنا أنتظر إلى أن تنصلح أحوال المسلمين، ويأتي من بعدي من يطالب بذلك». لقد أصدر سموه حكماً بالإدانة على تلك الفترة من التاريخ، بما جمعه من أدلة قطعية من خلال الوثائق والمستندات، حيث شاركت كل الأطراف الإسبانية في ذلك الوقت في المأساة، التي لا تزال إلى اليوم محفورة في الذاكرة الجماعية للأمة الإسلامية. لكن تنشيط الذاكرة هنا لا يعني التباكي على تلك الفترة، أو تعميق جروح الماضي، أو حتى لتبرير تراجعنا اليوم واعتباره امتداداً لتلك المرحلة من تاريخنا، إنما للتأسيس عليها لفهم علاقتنا مع الآخر في الحاضر والمستقبل. وبالرغم من وضوح الهدف من الكتاب، كما هو مذكور أعلاه، فإن قراءته تثير بعض الأسئلة الإشكالية، منها: ما الذي يريد سموه أن يوصله من خلال كتابه هذا للآخرين في هذه الظروف الصعبة التي نمّر بها؟، ومن المُدان في الحاضر نحن المسلمين أم الغرب؟، وأَنَّى لنا أن نطالب الغرب بحقوق المسلمين في الأندلس، وهو يعيد اليوم تكرار ما حدث في الماضي؟، وكيف لنا أن ندين ماضينا المٍأسوي المشترك معه، ونسعى لنكون شركاء معه في صناعة الحاضر، ثقافياً على الأقل؟ كثيرة هي الأسئلة التي ستراود كل قارئ، لكن الأهم هنا أنه في هذا الكتاب يتبدّى بشكل واضح صوت المثقف الذي يذكرنا بالتاريخ لتوظيفه لاستنهاض الذاكرة، ويلفت انتباهنا إلى أن التعايش مع الآخر ثقافياً يستوجب أيضاً الإحساس بحقوقنا والمطالبة بها والدفاع عنها ولا تعارض بين كل ذلك، ويستنهض الضمائر حتى لا نواجه نحن وكل البشر المعاصرين، ما تعرض له مسلمو الأندلس.. إضافة إلى أن الكتاب يضم رسالة مهمة، مضمونها: أن التعايش مع الآخر لا يمكن أن يتم إلا إذا كنت دوماً قوياً، وبهذا المعنى، فإنه يمثل إدانة لنا نحن العرب والمسلمين لأننا لو تمسكنا بمرجعيتنا ومنظومتنا القيمية ورسالتنا الحضارية وكنا أقوياء متحدين لما انتهى بنا الأمر في الأندلس إلى تلك المأساة التي ندينها اليوم، ولأن الكتاب يبين كل ذلك، فهو يُعد من أجمل الهدايا التي تُقدم للضمير الجمعي العربي والإسلامي، بل والعالمي أيضاً.