قبل عامين، كان كل من دونالد ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يخوضان السباق للرئاسة في بلديهما باعتبارهما رجلين غير منتميين سياسياً. وهذا الأسبوع، سوف يلتقيان في واشنطن خلال زيارة رسمية للرئيس الفرنسي تبدو وكأنها تشكل مواجهة حقيقية بين قطبين يحملان أفكاراً متناقضة فيما يتعلق بالسياسات الغربية الراهنة. ويقع في مقدمة أوجه الخلاف بينهما أن ترامب الذي يبلغ 71 عاماً وصل إلى السلطة محمولاً على منصّة الجناح الشعبوي اليميني للحزب «الجمهوري»، وأما ماكرون الذي يصغره بأكثر من ثلاثة عقود، فإنه يعارض هذا النهج السياسي بشدة. وأصبح الرئيس الفرنسي المدافع الأول عن الوسطية الليبرالية في الغرب. وعُرف عنه معارضته للإجراءات الحمائية التجارية، وريادته للحملة المضادة للتغير المناخي، وعزمه على تقوية الأسس التي يقوم عليها التكامل الأوروبي. وأما ترامب، فإنه متمسك بالإجراءات المضادة للعولمة. وكثيراً ما يعبر ماكرون عن شجبه للتوجهات السلوكية المبنية على الأنانية القومية والتي تعيد تشكيل سياسات العديد من الدول الغربية. وقال «ماكرون» في جلسة للبرلمان الأوروبي عقدت الأسبوع الماضي بمدينة ستراسبورج الفرنسية: «إن القوميين يقودون أوروبا نحو الهاوية. ونحن نرى الآن كيف أن النهج السلطوي الاستبدادي ينتشر في كل مكان من حولنا. ويجب ألا يكون ردنا هو تبني الديمقراطية السلطوية، بل بتبني سلطة الديمقراطية». ونشرت السفارة الفرنسية في واشنطن تغريدة على موقع «تويتر» جاء فيها: «لقد تزيّنت واشنطن بالألوان الفرنسية!. ويمكنك ملاحظة رموز الصداقة الفرنسية- الأميركية في شوارع العاصمة احتفاء بوصول الرئيس إيمانويل ماكرون في زيارة دولة». ولكن، وفي الوقت الذي يعبر فيه ماكرون عن قلقه من قصر نظر الشعبويين، إلا أنه لا يعارض أجنداتهم بشكل كامل. وتحت سمعه وبصره، تعمل السلطات الفرنسية الآن على فرض إجراءات مشددة ضد طالبي اللجوء السياسي. وعبر بذاته عن تفهمه للقلق الذي ينتاب الرأي العام بسبب سياسة الهجرة. وينظر مؤيدوه لـ«الوسطية الراديكالية» التي ينتهجها على أنها تمثل منصّة أكثر فعالية للتعبير عن عوامل القلق التي تنتاب ترامب وناخبيه. واستبق المحللان السياسيان الفرنسيان المقيمان في واشنطن «بول ساجاك» و«بنيامين حداد» زيارة ماكرون للولايات المتحدة، بالقول: «سينظر الرئيسان ماكرون وترامب للقضايا المطروحة من وجهتي نظر مختلفتين، ولكنهما غير متعاكستين. ولا يقل ماكرون عن ترامب تفهماً للمد الشعبوي الذي يجتاح بلديهما إلا أن ماكرون يعتقد بأنه قادر على التعامل مع الموضوع وفقاً لجملة مختلفة من المواقف مع التمسك بنظام عالمي مبني على الانفتاح والتعاون». وفي هذا الوقت، يرى منتقدو ماكرون، وخاصة منهم اليساريين، أنه ليس رجلاً شعبوياً متنكراً بلباس مؤسساتي، بل كقائد للأغنياء عازم على إحكام قبضته على المشهد السياسي الفرنسي. وكتب زميلي «جيمس ماكولي» يقول: «في الخارج، غالباً ما ينظر الناس إلى ماكرون وكأنه أوباما فرنسا بإطلالته البهية، والذي يستغل طاقته الشبابية المتدفقة لأسر مشاهديه وتشجيعهم على العمل للحد من ظاهرة التغير المناخي وتأييد بقية السياسات التقدمية التي يخطط لها». ويضيف «ماكولي»: «وفي فرنسا، يُنظر إليه باعتباره الرجل الليبرالي القوي الذي يسعى لإخفاء عناصر قوته الحقيقية. وربما يحتكم على بعض الميول السلطوية المعروفة عند الرئيس ترامب». ولعل من الغريب أن ماكرون وترامب تمكنا من بناء علاقة قوية خلال السنة الماضية. ويُذكر أن ترامب لا يقيم علاقة شخصية قوية مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وفضل الإبقاء على مسافة تفصله عن رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي التي يجهر شعبها بعدم إعجابه بترامب ويعارضون زيارته لبريطانيا. وكان ماكرون قد استقبل ترامب العام الماضي واعتبره ضيف شرف في الاحتفالات بـ«يوم الباستيل» في باريس. وتمهيداً لوصوله إلى واشنطن، منح ماكرون قناة «فوكس نيوز» اليمينية المتطرفة فرصة إجراء لقاء معه في محاولة منه للتقرب من القاعدة الشعبية للرئيس ترامب. وقال ماكرون في تغريدة على موقع «تويتر»: «لا أريد أن أنتمي إلى جيل أولئك الذين يمشون أثناء نومهم والذين نسوا ماضيهم». وبالرغم من وجود بعض أوجه التشابه القليلة بين الرئيسين، فإن المحللين يؤكدون على وجود هوّة سياسية واسعة تفصل بينهما. وقال مسؤول فرنسي رفض التعريف بنفسه: «ماكرون ليس صديقاً لترامب». ومن المتوقع أن يعترض ماكرون على العديد من خطط وسياسات ترامب ومنها نفض يده من الحرب السورية، وإنكاره لأخطار ظاهرة التغير المناخي، وفرضه التعرفات الجمركية على بعض الصادرات الأوروبية إلى أميركا، ورغبته بإلغاء الاتفاقية النووية مع إيران. وقال ماكرون في لقائه مع قناة «فوكس نيوز»: «لا يمكنك أن تخوض حرباً تجارية مع حلفائك. إنه أمر بالغ التعقيد. فإذا أعلنت الحرب التجارية فسوف تعلنها ضد أي دولة كانت بما في ذلك الصين وأوروبا. وهناك الحرب في سوريا والحرب ضد إيران وغيرها، ولا يمكنك خوض كل تلك الحروب لوحدك، بل تحتاج إلى حلفاء». وربما تكون الاتفاقية النووية الإيرانية الموضوع الأكثر حساسية على الطاولة. وتقول زميلتي المحللة «كارين دو يونج» إن زيارة ماكرون تأتي بعد شهور من المفاوضات بين المسؤولين الفرنسيين والألمان والبريطانيين ونظرائهم المفاوضين في وزارة الخارجية الأميركية. وكانت تلك المباحثات تهدف للتوصل إلى حل من شأنه أن يخفف من بعض مخاوف ترامب من الاتفاقية النووية وعدم التفكير بإجراء تعديلات جوهرية عليها وبالشكل الذي لا يستثير غضب اللاعبين الآخرين مثل روسيا والصين وإيران ذاتها. وعلى ترامب أن يتخذ قراره النهائي بشأن الاتفاقية يوم 12 مايو المقبل، حيث سيقرر ما إذا كان يريد إعادة فرض العقوبات على إيران، وهو الإجراء الذي سيعتبر وكأنه تمزيق للاتفاقية وما سيترتب عنه من طرد للمفتشين النوويين والبدء من جديد بإعادة تخصيب اليورانيوم في إيران. ولا يتوقع ماكرون ولا البيت الأبيض أن يتوصل ترامب لقرار نهائي بشأن الاتفاقية خلال زيارة الرئيس الفرنسي وبما سيبقي على هذا الأمر معلقاً. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»