نجحت دولة الإمارات في الترويج لصورتها الإنسانية حول العالم، جعلت حتى أولئك الذين قد يطلقون ألسنتهم أو أقلامهم بالسوء يتمنون العيش في الإمارات، و يحلمون بظلال الأمن الوارفة في ربوعه. حين نسافر حول العالم يكفي أن نقول إننا من الإمارات، من دبي أو أبوظبي، حتى نرى في سحنات الآخرين البشاشة والاحترام، لأن الإمارات مرتبطة في أذهانهم بالثروة والنفط، وبالأمان، والحياة الطيبة. في السنوات السبع الأخيرة خاضت الإمارات على عدة جبهات إقليمياً وعربياً حروباً إنسانية في قضايا عادلة، نبعت من شعور بالمسؤولية تجاه أمنها الوطني والإقليمي، في حزمة من المبادرات التي شاركت فيها بأموالها ونفوذها السياسي، وأحياناً بأبنائها وفلذات أكبادها كما هو الآن في حرب إعادة الشرعية في اليمن. أحياناً لاتكون وسائل إعلامنا ولا المنصات الإخبارية في مستوى المتوقع منها، نقص في المعلقين، وتكرار للوجوه، وشح في المعلومات، إضافة إلى قلة كفاءة تظهر –أحياناً- في المعلقين ومن يتصدون للمناظرة على قنوات دولية أجنبية ناطقة بالعربية. كما تعاني هذه التغطيات تكراراً وتناسخاً في التقارير والمعلومات، مع ضعف مكشوف أمام ما تروجه قنوات فضائية ومواقع إخبارية معادية تجد في أي نجاح للإمارات انتكاسة لمشاريعها. يمكننا أن نعتبر التطورات الأخيرة في الصومال مثالاً لهذا، فقد تفجرت الأزمة في العلاقات بين البلدين فجأة بعد صمت قارب عشرة أيام، وفي الوقت الذي كانت قنوات كـ«الجزيرة» و«الحوار» وغيرها تتناول أبعادا خطيرة في القضية، كانت وسائل الإعلام والمواقع الإخبارية الإماراتية والصديقة تحصر نفسها في مسألتين: شرح الأيادي البيضاء للإمارات على الصومال طوال عقود بالأرقام. وهي حقاً مسألة جديرة بالتنويه وتسليط الضوء عليها، لأن أمن الشعب الصومالي، وسد فاقته وعوزه صحياً وغذائياً وأمنياً هو المستهدف أساساً من هذه المعونات والمشاريع الكبيرة، وليس السياسيون ولا الأحزاب والتيارات المتناحرة المتطلعة إلى مكاسب سياسية على حساب مجتمع بائس، عانى لما يقارب ثلاثة عقود من الجوع والحروب الأهلية والفقر. في إزاء هذه الجهود الإعلامية كانت دول أخرى حاضرة وفاعلة داخل الصومال، ولها مشاريعها ومصالحها الاستراتيجية. هنا أخفق محللونا وخبراؤنا في شرح التحولات التي عاشها الصومال في السنوات الماضية وأثمرت هذا الوضع الغريب. والمسألة الثانية: ربط ما جرى بيد سوداء قطرية تقبع خلف الأزمة، وهنا علينا أن نكون حذرين من هذه المتلازمة. فالربط بين أي تعثر نواجهه وبين المساعي القطرية خلفه هو في وجهه الآخر إعلان للهزيمة. والمثير أنه حينما خمدت وسائل الإعلام الإماراتية، نشطت القنوات الفضائية الأخرى في تفكيك أسباب التطورات الأخيرة في الصومال من أبعاد أكثر خطورة تداعب العواطف القومية للصوماليين وتشيطن الإمارات. الحملات الإعلامية التي تستهدف جهود الإمارات في سقطرى وفي عدن وفي الصومال وفي ليبيا، يجب أن تجعلنا أكثر صبراً وأبعد نظراً وأقوى احتمالاً وأكثر ذكاء، وأن نقف مع أنفسنا وندرك أن إعلام الطوارئ والحملات الفجائية لا يمكنه أن يواجه تخطيطاً إستراتيجياً بعيد الأمد، مستعداً على الدوام لأي مفاجآت. صمت وسائل الإعلام الآن غير مفهوم ولا مبرر، لأننا في كل ساعة تمضي نخسر تعاطفاً ونزداد عدواً، في مجتمع بسيط، لم يتعافَ من الحروب الأهلية الحمقاء والتنظيمات المسلحة وشيوخ القبائل الذين يمكن شراؤهم والتلاعب بهم. بينما مصالحنا الإستراتيجية تواجه المخاطر في حرب موانئ ضروس بين الكبار لا ينجو منها إلا الأقوياء.