«بغض النظر عن السبب الحقيقي للحادث سواء أكان بشرياًّ أو راجعاً إلى عدم احترام مخططات الصيانة الوقائية أو الدائمة أو إلى أسباب أخرى، وهذا ما تكشفه التحقيقات الجارية.. ما هي الإجراءات التي تنوون اتّخاذها كي لا تتكرر مثل هذه الحوادث الأليمة التي ارتفع عددها في السنوات الأخيرة؟».. بهذا السؤال توجه «لخضر بن خلاف»، النائب عن «جبهة العدالة والتنمية» في المجلس الوطني الشعبي إلى الفريق أحمد فايد صالح، نائب وزير الدفاع، قائد أركان الجيش الجزائري، لمعرفة الإجراءات التي اتّخذتها المؤسسة العسكريَّة من أجل تفادي حوادث الطيران مُسْتقبلاً، على خلفية تحطم الطائرة العسكرية «أليوشين» رُوسِيَّة الصُّنْع، الأسبوع الماضي 11 أبريل الجاري ببوفاريك، وأودت بحياة 257 راكباً. السؤال السابق مهم، يطرحه معظم الجزائريين بصيغ مختلفة، وتأتي أهميته من أمرين رئيسيين، الأول: أن فاجعة تحطم الطائرة العسكرية كانت حدثاً مؤلماً بالنسبة للشعب كله، وليس فقط لعائلات الضحايا، وعلى قدر هول الفاجعة، يودُّ كل الجزائريين معرفة أسباب الحادث، وأوجه القصور، والأمر الثاني: الخوف من فقدان الآمان، الذي وفّره الجيش الجزائري للشعب، بعد سنوات الدماء، لدرجة أنه أصبح الباعث للأمل في ظل التردي العام في مختلف المجالات، وهو اليوم مثل معظم الجيوش العربية يحارب من أجل الحفاظ على استقرار وهدوء وتكتل الجبهة الوطنية. لقد قدّم الجيش الجزائري منذ اندلاع الإرهاب في 1990، على خلفية الصراع السياسي تضحيات جسيمة من أجل استعادة استقرار البلاد، لا تقل عن تلك التي قدّمها خلال حرب التحرير، ومن خلالها جاء ردّه العملي على المتشككين في ولائه للدولة، ودعمه للسلطة، وحسم الأمر لصالحه بتمكنه من الوقوف إلى جانب الشرعية، مبتعداً بدرجة نسبية عن المشاركة أو حتى التعاطف مع الأحزاب والقوى المجتمعية الأخرى، التي عملت جاهدة عبر خطاب مكشوف لأجل أن يكون طرفاً في الصراع السياسي، بل إنها أحياناً اتهمته بدعم السلطة وعلى وجه الخصوص الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وأحياناً أخرى توجهت إليه بخطابات استغاثة، لعله يدعمها لتكون بديلاً عن النظام القائم، أي يلغي شرعية الانتخابات والممارسة الديمقراطية. اليوم، يجد الجيش الجزائري نفسه أمام مساءلة تتعلق به بشكل مباشر، أي ضمن دائرة تخصصه، وستكشف التحقيقات وجوه الخلل، والتّساؤلات التي تطرح الآن مشروعة، وتدلُّ على أن هناك ممارسة ديمقراطية حقيقية، لأنه في تجربة الجيوش عبر العالم، خاصة حين يتعلق الأمر بعمل خارج الحرب، تأتي المساءلة من داخل المؤسسة العسكرية، وليس من خارجها، ويكتفي الإعلام بمناقشة الموضوع من زواياه المختلفة، لكن من دون محاسبة حقيقية من المدنيين، وهذا مختلف عن الحالة الجزائرية اليوم، وربما يعود ذلك إلى كون الجيش الجزائري، جيشاً وطنياً شعبياً كما هو في تسميته، فهو لا يشكل طبقة خاصة أو جهة وطنية معينة، وضحايا الطائرة المنكوبة ينحدرون من كل الولايات الجزائرية، حتى أن بعض الكتاب يرى في ذلك نوعاً من الوحدة الوطنية المتعمقة والمتجذرة، والتي غابت عن الفعل السياسي الجزائري، ما كان الشعب يعتقد في استمراريتها. ينتظر من التحقيق تقديم إجابات عن تساؤلات تراكمت حول تكرار حوادث الطيران العسكري الجزائري وخلفياتها وتلاحقها، وأسباب وقوعها، خاصة الحوادث الخمسة الأخيرة المسجلة منذ حادث عام 2014 الذي أدى إلى مقتل 77 شخصاً، وهو يأتي في المرتبة الثانية من ناحية العددية بعد الحادث الأخير، ومهما تكن نتيجة التحقيق، فإن تجاوز المحنة يبدأ منه، لأن الجيش الجزائري عوّد الشعب على التعامل بصدق وشفافية عالية في الثورة، وفي السلم والحرب، وفي سنوات التنمية، وفي زمن الإرهاب والفتنة، وعند الفجائع والكوارث، وفي أيام قوة الدولة وضعفها.