الفوضى المروعة التي تمثلها سوريا تعتبر التجلي الأبرز لما حدث للنظام العالمي بعد تقهقر الزعامة الأميركية. والضربات المرسومة بدقة التي أمر بها الرئيس دونالد ترامب لن تفعل شيئاً في تغيير واقع أن ترامب، وأوباما من قبله، تركا فراغاً في السلطة بالشرق الأوسط. والمستفيدون هم روسيا وإيران و«حزب الله» وتركيا وطائفة من المتشددين الذين سيهاجم طيفهم المنطقة والغرب بعد فترة طويلة من نهاية «داعش» تلك هي الرسالة الواضحة. لكن الأقل وضوحاً هو مدى جسامة ونطاق خطورة انهيار النظام الذي تقوده الولايات المتحدة في الخمسة عشر شهراً التي تولى فيها ترامب السلطة. فقد أصبح هناك فراغ في أنحاء كثيرة بائسة من العالم كان يوجد فيها من قبل مبعوثون أميركيون ومساعدات أميركية لتقديم المساعدة للضحايا والتصدي لفاعلي الشر والتوصل لحلول سياسية. ودعنا نفحص العالم في نظرة متجولة. ولنبدأ بنصف الكرة الغربي الذي اجتمع زعماؤه الأسبوع الماضي في القمة الثامنة للأميركيتين منذ عام 1994، وهي القمة الأولى من نوعها التي لم يحضرها رئيس أميركي. وتشهد المنطقة واحدة من أكبر الأزمات في العصور الحديثة، تتمثل في الانهيار الاقتصادي والسياسي في فنزويلا الذي تسبب في أعمال عنف وفي تجويع عشرات الملايين من السكان، وتسبب في فرار أكثر من مليون شخص من البلاد في أكبر نزوح في تاريخ أميركا اللاتينية. فعلى مدار قرن أو أكثر، كانت دول أميركا اللاتينية والكاريبي التي تمر بأزمات تتوقع تدخلاً للولايات المتحدة في حالة انهيارها، سواء كانت نتائج هذا التدخل جيدة أو ربما سيئة. وقدمت القمة فرصة لواشنطن لتحشد حلفاءها حول استراتيجية منسقة لحل مشكلة اللاجئين وضد النظام المتسلط في كاراكاس. لكن بخلاف عدم حضور ترامب، فقد اقتصر مسعاه في معالجة الأزمة طرح فكرة التدخل العسكري، أثناء عشاء في سبتمبر الماضي مع زعماء المنطقة. وتجاهل منذئذ اقتراحات تقدم بها بعض الزعماء لاتخاذ إجراءات أكثر واقعية مثل فرض حظر على نفط فنزويلا. ودعنا ننتقل الآن إلى جنوب السودان، الدولة التي ظهرت على الخريطة عام 2011، ويرجع الفضل في ظهورها في جانب كبير منه إلى الدبلوماسية الأميركية. لكن بعد عامين من إعلان الدولة نشبت حرب أهلية بين الفصائل المتنافسة، واستمرت هذه الحرب حتى الآن. وقُتل عشرات الآلاف، وأُخرج أكثر من مليون شخص من ديارهم والأمم المتحدة تحذر منذ العام الماضي أن جنوب السودان على حافة مجاعة. واختفت الرعاية الأميركية القوية التي امتدت على مدار إدارتين. والآن لنذهب إلى ميانمار، وهي دولة أخرى ساهمت الدبلوماسية الأميركية في صنعها. ففي محاولة لتحرير نفسه من العقوبات الاقتصادية الأميركية الشاملة والحصول على بعض الاستقلال من الصين، أفرج النظام العسكري الحاكم في البلاد عن الناشطة اونج سان سوكي الحائزة جائزة نوبل للسلام. وزار أوباما البلاد مرتين. ثم في أغسطس الماضي شن جيش ميانمار حملة وحشية ضد أقلية الروهينجا المسلمة مما أدى إلى فرار نحو 700 ألف شخص عبر الحدود إلى بنجلادش. صحيح أن وزير الخارجية الأميركي في ذاك الوقت ريكس تيلرسون أطلق على الحملة الوصف الملائم وهو أنها تمثل تطهيراً عرقياً، لكن هذا التصريح جاء متأخراً. واستجابة الولايات المتحدة على هذه الوحشية المروعة كانت هزيلة. فقد فرضت الإدارة، تحت ضغط من الكونجرس، عقوبة على أحد الجنرالات المسؤولين عن الحملة ثم فرضت بعض القيود على حصول تأشيرات السفر على آخرين. لكن، مرة أخرى، كان المسؤول الكبير الوحيد الذي اهتم بالقضية هو نيكي هيلي التي ضغطت من أجل إرسال مبعوث خاص من الأمم المتحدة إلى ميانمار. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»