الهند هي أقرب جيران نيبال والسفر بين البلدين لا يتطلب تأشيرة. وآلاف المواطنين من نيبال يأتون إلى الهند للعمل، بينما يذهب آلاف الهنود إلى زيارة نيبال في العطلات. لكن العلاقات بين البلدين تتعرض حالياً إلى تغير مع تعزيز نيبال تقاربها من الصين، جارتها الأخرى، وتوطيد علاقاتها مع بكين. وفي الأيام القليلة الماضية، زار رئيس الوزراء النيبالي المنتخب حديثاً «كيه بي أولي» الهند، في استمرار لتقليد يقضي بأن تكون أول زيارة خارجية لرئيس الوزراء النيبالي إلى الهند. لكن بخلاف القيام بواجب التقليد المتبع، فإن المعادلة بين البلدين تتغير بشكل واضح. والهند تجد نفسها مضطرة لأن تمعن النظر في موقفها من نيبال التي أصبحت أكثر ثقة وجرأة. صحيح أن الزعيم النيبالي أكد أثناء زيارته على قيم الصداقة التاريخية مع الهند، لكنه لم يتردد في الإشارة إلى تغير الأوضاع مع مرور الزمن. وكانت هذه أول زيارة لرئيس الوزراء النيبالي إلى الهند بعد توليه مهام منصبه لفترة ولاية ثانية في فبراير من هذا العام. وزار «أولي» الهند عام 2016 في أول فترة ولاية في المنصب، لكن الزيارة الحالية تختلف بشكل واضح عن الزيارة السابقة. فقد جاء السيد «أولي» الذي تعرضت بلاده إلى أزمة سياسية على مدار سنوات هذه المرة بتفويض انتخابي قوي للغاية، بعد أن اكتسح حزبه انتخابات العام الماضي، ومهّد الطريق لتشكيل حكومة من الحزب الشيوعي النيبالي. أما في فترة ولايته السابقة في منصب رئيس الوزراء كان «أولي» يقود ائتلافاً حكومياً هشاً واستقال بعد أن قرر ترك الائتلاف. لكن هذه المرة يتمتع حزب «أولي» بأغلبية في الغرفة الأدنى من البرلمان بعدما فاز في الانتخابات، مدعوماً ببرنامج قومي يضع نيبال في المقام الأول كي تتصدى لنفوذ الهند في الوقت الذي تعتقد فيه قطاعات كثيرة، أن الهند باعتبارها أكبر دولة في جنوب آسيا لا تشك في ولاء جيرانها الصغار، وتتصرف معهم كما لو أنها الشقيقة الكبرى. وهذه الثقة التي اكتسبتها نيبال في الآونة الأخيرة تتضح في الطريقة التي تتعامل بها حالياً مع الهند التي يتعين عليها أن تغير نهجها. واستطاعت الهند تقليدياً أن تؤثر على نيبال، التي تقوم بدور المنطقة العازلة بين الهند والصين. ورغم أن الهند ما زالت أهم جارٍ لنيبال، لكنها تواجه انتقادات أخرى أيضاً من الجيران الأصغر الآخرين الذين تعتبر موقفهم منها مضموناً. وبعد الاضطلاع بالسلطة حقق رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تحسناً في العلاقات مع نيبال والجيران الآخرين باعتبارها أولوية في السياسة الخارجية، نظراً لتوسيع الصين نفوذها في المنطقة. وقدم مودي خط ائتمان بقيمة مليار دولار أثناء زيارته لنيبال وشارك في عملية حشد بعثات الإغاثة والمساعدات الإنسانية بعد زلزال مدمر ضرب نيبال. لكن السياسة الخارجية الهندية أساءت التقدير أثناء احتجاجات في منطقة جنوب نيبال التي تتاخم الهند، حيث عبرت هناك أقلية من أصول هندية تعرف بعرقية «مادهيسي» عن عدم رضاها عن دستور نيبال الجديد، وعرقلت مرور شاحنات قادمة من الهند مما أدى إلى أزمة في الوقود والغذاء قبل عامين. ورغم أن الأزمة قد حُسمت وأعيد فتح الطرق لكن كاتماندو ألقت باللائمة على نيودلهي في دعمها للمحتجين وفرض حظر غير رسمي، وهو اتهام نفته الهند لكنها لم تستطع تبديده من تصور كاتماندو، ما مهد الطريق لنيبال كي تبدأ في تعزيز علاقاتها مع الصين وتتخلص من اعتمادها على الهند. وما زالت غالبية واردات نيبال قادمة من الهند، وما زالت نيبال تعتمد على الهند اقتصادياً، لكن لا شك في أن البلد الحبيس يجنح إلى تعزيز ميله حالياً نحو بكين في الوقت الذي يسعى فيه إلى تقليص الاعتماد على الهند. وهذه حقيقة يتعين على الهند أن تقبلها، وأن تتحلى بحصافة أكبر في تعاملها مع جار كانت تعتبره مضموناً تماماً من قبل. لكن زيارة «أولي» وضعت أساساً لتطوير العلاقات مع نيبال، وأكدت أن ذكريات الحصار تلاشت في غمرة تأكيدات الهند أن شيئاً من هذا لن يحدث ثانية. وتحركت الهند بالفعل لتعالج بعض قضايا نيبال، وأعلنت خططاً عن تطوير طريق وخط سكة حديد عابر للحدود وإقامة علاقات في مجال الطاقة مع نيبال، وتطوير ممرات مائية تستخدم في الشحن لتوفر قناة اتصال بالبحر لنيبال التي بلا موانئ بحرية. ورغم أن مصادر هندية تؤكد أن الصين لم تكن مطروحة على قائمة أولويات المحادثات بين الجانبين، لكن الخطط المعلنة تستهدف بشكل واضح مواجهة برنامج «حزام واحد وطريق واحد» الصيني الذي يستهدف إحياء طريق الحرير الصيني، ويساعد في تعزيز البنية التحتية والنفوذ الصيني في مناطق مختلفة من آسيا بما في ذلك جنوب آسيا. وفي المحادثات بين الجانبين، وافقت نيبال على التعاون مع الهند في مجال الزراعة العضوية واختبار التربة والتعليم الزراعي. ومن الواضح أن الهند وضعت أسساً جديدة لفصل جديد من العلاقات بين الهند ونيبال، لكن مازال يتعين علينا الانتظار حتى نرى نتائج هذه البداية الجديدة بين بلدين يشتركان في روابط تاريخية، لكنهما يحتاجان إلى وضع إطار جديد للعلاقة فيما بينهما. *رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي