أتينا في المقالة الأخيرة التي نشرت في صحيفة «الاتحاد» الظبيانية، على «المعادلة بين الشرق والغرب، هي معادلة بين القلب والعقل»، التي أتت في مقالة للباحث الفلسطيني إدوارد سعيد، نشرت بالإنجليزية تحت عنوان «الاستشراق - المعرفة، السلطة - الإنشاء» ضمن «منشورات مؤسسة الأبحاث العربية، - بيروت عام 1981». أما الرد الآن، فيأتي من موقع كتاب نشر باللغة الألمانية للباحثة المستشرقة sigrid hunke، وصدر في دار نشر fiscler-Buescheri وفي مدينة frank fort am main hamborg، عام 1965. وقد أثار هذا الكتاب منذ صدوره وربما حتى الآن موجة من الحوارات النقدية، ما زالت مستمرة حتى الآن. نعم، جاء أحد الردود الكبرى من الغرب نفسه، ما يجعلنا نرى فيه حالة عظمى من العدالة بحق الحضارة العربية، ومن الشجاعة السخية للاعتراف بحقوق الآخر. وهذا بدوره يؤسس لعدالة عالمية تكون خطوة على طريق تأسيس نظام عالمي من السلام والفعل المشترك، ونحن العرب نحتاج الآن مثل هذا النظام، الذي قد يجلد الخصوم ممن يزعمون التميز على الآخر، كما نراه مهيمناً في أوساط المتسلطين الطغاة الطامحين إلى زعزعة العالم العربي، بما فيه من زعزعة سوريا وتعريضها للحروب ومخاطر التقسيم على أيدي دول ومنظمات متعددة فاسدة. لقد كتبت المستشرقة النبيلة الأستاذة sigrid hunke كتابها المعني هنا، لتسهم في تأسيس رؤى علمية عادلة في البحث الفلسفي التاريخي الموضوعي بتاريخ العرب، وكانت - في كتابها المذكور - باحثة موضوعية مرموقة في التراث العربي الفكري، ما يسهم في إرساء رؤية علمية في البحث التاريخي عموماً، وفي جانبه الفكري الحضاري خصوصاً. أتى كتاب المستشرقة العالمة sigrid hunke المذكور ليسهم في إرساء دعائم رؤية علمية موضوعية للتاريخ العربي الفكري، ومن ثم ليرد على من يأخذ أو يؤسس لنظرة زائفة للتاريخ العربي المذكور، سواء تحدر ذلك من الوسط العربي، أو من الآخر الغربي - الأوروبي، وقد جاءت في بداية الكتاب المذكور نقاط ضابطة حاسمة تتحدد في عناصر حاسمة، هي التالية: هنالك نقطتان منهجيتان اثنتان تعبران عن ما جاء في الكتاب حول كتابة التاريخ، هما: أولاً: أن العالم العقلي العربي مشارك في امتلاك ذلك التراث اليوناني والروماني، إنها لوحة تاريخية عالمية بديعة تجسد تراثات شعوبها هنا وهنالك. ثانياً: - تعلن sigrid hunke، من طرف آخر، إن العرب لم يكونوا فقط «وسطاء» يبن الغرب والشرق، وإنما هم كذلك أثروا عبر منجزاتهم الحاسمة في منجزات ذات حضور أسهم في البناء الحضاري العالمي، حتى الآن، عبر منجزات ثقافية مرموقة، «وإن تقهقروا بعدئذ».. ص 2 من الكتاب». وهكذا، على مدى 360 صفحة أضافت الباحثة المؤلفة في كتابها الكثير من منجزات العرب والغرب، ومعطية كلاً منهما حقه من الإنتاج والتعمق في دراسة الغرب والشرق «العربي خصوصاً»، معطية كليهما ما ينتمي إليه وما أنجزه. أما العقدة الصدئة فهي المتمثلة في وضع الغرب التاريخي فوق التاريخ «الشرقي العربي»، كي يتمثل هذا الأخير في فريقين، يأخذ الثاني منهما «الشرق العربي خصوصاً» موضع التخلف والقصور الحضاري، في حين يتجسد أولهما في الغرب المتقدم على العالم كله ، وكأنه سيد الأكوان، وبتعبير أكثر تخصيصاً، سنلاحظ في وجهة النظر هذه أمران اثنان يسيئان للبحث العلمي التاريخي العالمي خصوصاً. أما الأولى، فتتمثل في النظر إلى تاريخ العالم - وكأنه بالأساس - تاريخ الغرب وحده المتسم بالعراقة التاريخية والإنجاز الإبداعي الفريد أي الذي أنجزه «العقل»، عقل الغرب إياه. ويصرّ التساؤل التالي على الإفصاح عن نفسه، بكثير من الأسى والإحساس بالمأساة أوصلت الدونية والشعور بها لدى أوساط من المروجين لتلك الأيديولوجيا في العالم العربي، إلى تلك الدرجة من تهشيم الذات العربية والتنكر لها، ومن محاولة التمسح بالغرب، بحيث يفاجأ أولئك المروجون بـ «غربيين» يرفعون شعار احترام الحضارات العالمية، كائنة ما كانت، ويسعون إلى وحدة البشرية واحترام الأحوال البشرية، ومن ضمنها العروبة الحضارية التنويرية؟! نحن لا نميل إلى تفسير الأقوال البشرية عبر المعجزات سلباً أو إيجاباً، ولكن حين يتبين لنا أن تلك الأخيرة، فسرت سلباً أو إيجاباً، فإننا نطمح إلى معالجة تلك الأحوال لتقديمها لمن يسعى إلى استخدامها بعقلية يقظة تحترم المخاطبين جميعاً.