لا تزال ما تسمى بجماعة الإخوان المتأسلمين تستهلك وتروج حتى اليوم لأوهام البدايات وبنود المخططات التي تأسست عليها. نجد ذلك في أطماعها وأفكارها الإرهابية المهيمنة على الخطاب الإعلامي للجماعة، وفي تصريحات قياداتها المتمسكة بحلم السيطرة والسعي لتحقيق النفوذ العالمي. وبعد أن انكشفت حقيقة أهداف «الإخوان» التخريبية وتم نبذهم ووضعهم على لوائح الإرهاب، لجأوا إلى التكيف مع الظروف والانحناء للعواصف. لكن الفشل من صفات «الإخوان»، حيث لا تتغير لديهم سوى الأدوات والآليات الإعلامية التي تتجدد، ولكنها تروج للخطاب القديم المتكرر، القائم على استثمار الأثر العاطفي للدين، والتسويق للشعارات المستهلكة، ضمن الالتزام الإخواني ببرنامج سياسي عنوانه الوصولية والانتهازية. الهدف الأبرز لـ«الإخوان» يتمثل في السيطرة على السلطة بأسلوب عمل عصابة تتزين بالدين ومظاهره الشكلية، برغم أن الجميع أصبحوا يعلمون غايات «الإخوان» السياسية الدنيوية المكشوفة. وأخطر ما قامت به الجماعة الإخوانية هو التلبيس على العامة، من خلال الدمج بين تلك الأهداف الانتهازية الخاصة بها وبين النصوص الدينية، وإلحاق تلك النصوص وتفسيراتها بالجماعة وأهدافها. قبل أيام احتفل أقطاب «الإخوان» في تركيا بمرور تسعين عاماً على تأسيس هذه البذرة الإرهابية التي تلقت في بداياتها دعماً مالياً ورعاية موثقة تاريخياً من قبل المخابرات البريطانية، ثم قامت المخابرات الأميركية بعد ذلك بتغذية الجماعة واستخدامها لأغراض محددة. وتعاقبت للأسف حكومات عربية وإسلامية ودولية على دعم هذا الكيان الانتهازي المفترس منذ أن كان رضيعاً، ولم يدرك الداعمون أن هذا الوحش الصغير سوف يقوم بتفريخ تنظيمات إرهابية ويتحول إلى ذراع سياسية وحاضنة تربوية لأبشع الجماعات الإرهابية. ولم يعد سراً القول إن قيادات الخلايا والجماعات الأشد تطرفاً مثل «القاعدة» و«داعش» كانت من مخرجات جماعة الإخوان المتأسلمين. لذا فإن أكبر خطأ وقعت فيه بعض القوى الدولية والاستخباراتية هو محاولة رعاية «الإخوان»، بقصد استخدامهم في المستقبل. والنتيجة كانت تفريخ تنظيمات إجرامية خرجت من عباءة «الإخوان». كما أن التنظيم الإخواني تحول بفعل النهم الشديد للسلطة إلى أداة للتخريب ونشر الفوضى واستهداف استقرار وأمن شعوب المنطقة. فمتى يعي الجميع أن ورقة «الإخوان» بعد تسعين عاماً قد احترقت بالكامل على مستوى العالم؟ ولم يتبق لهم من مجموع دول العالم من يدعمهم سوى محور الشر الإرهابي: إيران -قطر. وبجردة حساب ضرورية عند تأمل مصير «الإخوان» ومآلات جماعتهم من زوايا متعددة، يمكن القول إن الجماعة فشلت بشكل جذري لأسباب تكمن في طبيعة تكوين الجسد الإخواني فكرياً وتنظيمياً. وأهم أسباب فشل «الإخوان» اتصافهم بالسطحية والخواء الفكري وانعدام الأرضية الوطنية للتنظيم. لأن الجماعة تزرع في عقول أتباعها مفهوم الانتماء العابر للأوطان، مقابل الترويج لمفهوم الأمة العائم الذي لا يمكن الارتباط به وجدانياً وثقافياً ما لم يكن للإنسان ارتباط بوطنه. فشل «الإخوان» لأنهم ظنوا أن الزمن سوف يتوقف عند اللحظة التي لمعت فيها فكرة تأسيس جماعة يلتصق اسمها بالإسلام. فحملت الجماعة بذور فشلها منذ البداية لأنها حاولت اختطاف الدين واحتكاره، والادعاء بأن مجموعة محددة تمثله بمفردها وتمنح نفسها حق تسييس خطابه لأهداف بعيدة عن مقاصد الدين. تسعون عاماً مضت على نشأة «الإخوان» حدثت خلالها تحولات عالمية كبرى على مختلف الصعد العلمية والفكرية والسياسية، بينما لا يزال «الإخوان» يعتقدون أن سيطرتهم على الحكم ورفع الشعارات الفضفاضة الخاصة بهم هو الحل! لذلك فشلت التجربة الإخوانية بسبب فقرها المعرفي وعجزها عن الارتباط بالأوطان، وصعوبة انتقالها إلى مرحلة تقديم برامج عملية لخدمة الشعوب. وكان تركيز آلية العمل الإخوانية منذ مرحلة استقطاب وتجنيد الأفراد ينصب على الطاعة العمياء، وعلى ترديد الشعارات التي يعكس مضمونها جمود «الإخوان»، وعدم صلاحيتهم للتعايش مع المستقبل وتحدياته. يجب أن يكون حصاد «الإخوان» من تجربتهم بعد تسعة عقود على تأسيس الجماعة درساً للمخدوعين بهذا التيار. فلم ينتج «الإخوان» فكراً ولا برامج، ولم يقدموا أي حلول للتحديات المعاصرة، بل كانوا منذ نشأتهم أدوات للتخريب والهدم، ونشر الجهل، والتعتيم على العقول، وترويج الخرافات. وكانت العلاقة بين «الإخوان» والفرد المنتمي لتنظيمهم علاقة استلاب وطاعة عمياء. ومن المؤكد أن الجماعات التي تريد من الفرد أن يلغي تفكيره ويصير تابعاً مطيعاً لها يكون مصيرها الفشل والانقراض.