هل يمكن أن تخوض الولايات المتحدة والصين حرباً تجارية؟ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال إنه من السهل الفوز في هذا النوع من الحروب. والواقع أنه قد يبدو، بالفعل، أقل خطورة من حرب العراق الكارثية التي زج فيها بوش الولايات المتحدة في 2003، ولكن التاريخ يخبرنا بأن الحروب التجارية تتسبب في عدد أكبر من الخاسرين. حروب خطيرة، من السهل شنها، ومن الصعب استشراف عواقبها قصيرة المدى. وكان ترامب أعلن اعتزامه فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألومينيوم القادمة من عدة بلدان، وخاصة الصين. ورداً على ذلك، أعلنت الصين فرض رسوم على أكثر من مئة منتج قادم من الولايات المتحدة. وفي الأثناء، بدأت بورصة نيويورك في الهبوط، وأخذت عدة شركات أميركية تتخوف من صعوبات محتملة في الوصول إلى السوق الصينية، الواعدة والتي يحتدم التنافس لدخولها. ومن الواضح أنه إذا فُرضت رسوم جمركية على المنتجات الصينية، فإن بكين لن تبقى مكتوفة الأيدي وستقوم باتخاذ بعض التدابير على سبيل الرد. وتعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري بنيوي يقدر بنحو 600 مليار دولار سنوياً، تشكّل الصين وحدها نصفه. وخلال حملته الانتخابية، كان ترامب أعلن نيته فرض رسوم تصل إلى 45 في المئة على المنتجات المستوردة من الصين، غير أنه بعد أن تلقى تحذيرات بشأن التكلفة الكارثية التي من شأن إجراء من هذا القبيل أن يتسبب فيها، عدل عن تنفيذ تهديده، ذلك أن تنفيذه كان سيؤدي إلى ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، وحرمان المستهلكين الأميركيين من سلع رخيصة الثمن، والتأثير على تنافسية الولايات المتحدة. وكل هذه الأسباب دفعت "والمارت"، التي تُعد أكبر سلسلة للبيع بالتجزئة في الولايات المتحدة، إلى جانب شركات التكنولوجيا في منطقة "سيليكون فالي" إلى التحذير من المخاطر التي من شأن مثل هذا القرار أن يتسبب فيها لنموذجها التجاري. والواقع أن ثمة اعتمادا متبادلا بين الصين والولايات المتحدة. فهذه الأخيرة تحتاج إلى واردات صينية ذات كلفة رخيصة، بينما تحتاج الأولى للوصول إلى السوق الأميركية، التي تعد أساسية بالنسبة لاقتصادها. والحال أن الصحة الاقتصادية الجيدة للبلاد هي أفضل ضمانة لشرعية نظامها الشيوعي، الذي لم يعد يرتكز منذ وقت طويل على المبادئ الماركسية- اللينينية، وإنما على فعاليته الاقتصادية الحقيقية. واليوم، بات النظام الشيوعي الصيني من أبرز المدافعين عن العولمة والتبادل الحر، في حين بات رئيس البلاد التي خرج منها هذا النموذج الاقتصادي يؤيد الحمائية. والواقع أن العديد من الأميركيين، وبشكل خاص أولئك الذين انتخبوا دونالد ترامب، يعتبرون أنفسهم الخاسرين في لعبة العولمة وأن سوقهم الداخلية ليست محمية بشكل كاف. ومرة أخرى، يميل ترامب إلى سياسة تهدف إلى إرضاء ناخبيه، غير أنه من غير المؤكد البتة أنه يخدم مصالح الولايات المتحدة الوطنية من خلال ذلك. وإذا كان ميزان القوة بين الولايات المتحدة من جهة، والمكسيك وكندا من جهة ثانية، واللتين تذهب 80 و75 في المئة من صادراتهما، على التوالي، إلى السوق الأميركية، هو في صالح واشنطن، فإن الوضع مختلف في العلاقة مع الصين. وبالتالي، فإن الولايات المتحدة ليست في وضع يسمح لها بفرض عقوبات على هذه الأخيرة من دون أن تطالها تداعيات تلك العقوبات. ومما لا شك فيه أن أي حرب تجارية لن يكون فيها إلا الخاسرون، والأمر نفسه سينطبق على الاتحاد الأوروبي، حيث لم يعد ممكنا، مثلما كان عليه الحال زمن الحرب الباردة، استخلاص كلفة أمن القارة إزاء الاتحاد السوفييتي. وإذا أقدمت الولايات المتحدة على اتخاذ عقوبات تجارية ضد البلدان الأوروبية، فإن هذه الأخيرة لن تجد أي صعوبة في الرد بالطريقة نفسها. صحيح أن الصين لا تطبّق مبدأ المعاملة بالمثل في مبادلاتها التجارية حقا، ولكنها تحاول الحصول على امتيازات أحادية الجانب، بيد أنه إذا كانت ثمة خلافات، فلماذا لا يتم اللجوء إلى "منظمة التجارة العالمية" من أجل حلها، بدلاً من الانخراط في مواجهة ستُضعف كل الأطراف بلا ريب؟ وخلاصة القول إن عداء دونالد ترامب للمؤسسات متعددة الأطراف يمكن أن يكون مكلفاً وخطيراً! *مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس