الآن وقد شكّل الرئيس دونالد ترامب ما يصفه البعض بمجلسه الحربي، فإن السؤال الذي يفرضه نفسه هو: هل يقدم فعلاً على شن حرب؟ هذا الأمر يشكّل محور الكثير من الأحاديث القلقة داخل مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن منذ أن قام ترامب بتعيين جون بولتون – المعروف بدعوته المستمرة إلى القصف الاستباقي – مستشاراً له للأمن القومي. فبولتون ووزير الخارجية المعين مايك بومبيو يتفقان مع ترامب على أن الاتفاق النووي مع إيران كارثة، وكلاهما ألمحا إلى أن تغيير النظام هو الحل الوحيد للتوتر مع كوريا الشمالية. وبالتالي، فالسؤال هو: هل ترامب نفسه قادر حقاً على شن حرب على أحد هذين البلدين؟ أو على كليهما؟ الواقع أنه يمكن بسط حجج عدة على أنه غير قادر على ذلك. فرغم أنه أطال أمد العمل العسكري الأميركي في سوريا والعراق خلال عامه الأول في الرئاسة، فإن ترامب من أبرز المشككين في المغامرات العسكرية الأميركية. فها هو اليوم يتعهد بالانسحاب من سوريا؛ وقبل ذلك، أُقنع بإنهاء التدخل في أفغانستان. وعلاوة على ذلك، فإن أي خطوة لشن هجوم من دون استفزاز على إيران أو كوريا الشمالية ستصطدم بمعارضة من حلفاء الولايات المتحدة والكونجرس ووزير الدفاع جيم ماتيس وكبار ضباط البنتاجون، وعلى الأرجح، حتى من قاعدة ترامب السياسية نفسها، التي اعتادت على الإشادة بخطابه حول الحروب المبذرة للمال العام. ثم إن الحرب، أي حرب، ستمثل انحرافاً عن النموذج الدبلوماسي الصاعد لهذا الرئيس، وهو أسلوب الوعيد والترهيب ثم إبرام اتفاق. وهذا ما حدث الأسبوع الماضي مع كوريا الجنوبية، التي لم تشهد الأسبوع الماضي تمزيقاً لاتفاقية التجارة الحرة التي وصفها ترامب بـ«الفظيعة»، وإنما مجرد إدخال تعديلات طفيفة. ويحاول ترامب أن يفعل الشيء نفسه مع الاتفاق النووي الإيراني، الذي يندد به، بينما يضغط دبلوماسيوه في صمت على الحكومات الأوروبية حتى توافق على إدخال تعديلات وإصلاحات على الاتفاق – عملية كان يبدو أنها قد تنجح، على الأقل حتى إقالة ريكس تيلرسون من وزارة الخارجية. وبالتالي، فالخطر الأكبر ليس في أن يختار ترامب الحرب، وإنما في أن يقع فيها، من خلال أعمال غير مرتبطة بأي استراتيجية تتصف بالتماسك والانسجام. فهو حدد نقطتين مهمتين وعاليتي المخاطر لاتخاذ قرار هذا الربيع: بخصوص تجديد العقوبات على إيران في منتصف مايو، وبخصوص الاتفاق مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في قمة بنهاية ذاك الشهر. وإذا قبل صفقة تحفظ ماء الوجه بشأن إيران مع الأوروبيين، أو وعداً من كيم بالتخلي عن السلاح النووي، فإنه سيتناقض مع كل شيء أيّده ودافع عنه لعقود بولتون المشهور بتشدده - ما يثير أسئلة بخصوص أسباب تعيين ترامب له. وبالمقابل، إذا عمل ترامب بالنصيحة التي قدمها مساعده الجديد على التلفزيون وألغى الاتفاق مع إيران؛ وبالتوازي مع ذلك، خدع أو ندد بكيم، فإنه سيُحدث أزمتين. ولا شك أن نظام رجال الدين في إيران سيكون سعيداً بشكل خاص لأن الاتفاق النووي مثّل خيبة أمل كبرى في طهران: ذلك أن الاستثمارات الغربية التي كان من المفترض أن يجلبه لم تصل في معظمها، وركود الاقتصاد أخذ يغذي مشاعر الاستياء الشعبي. وعليه، فترامب يمكن أن يمنح الرئيس حسن روحاني فرصة لفصل الولايات المتحدة عن أوروبا عبر مطالبة الأخيرة بتنازلات جديدة في مقابل التمسك بالاتفاق. أو يمكن للحرس الثوري الإيراني استخدام المليشيات التي يسيطر عليها في العراق وسوريا لإصابة القوات الأميركية بنزيف من خلال الكمائن والقنابل التي تزرع على جانب الطريق، على غرار ما كانت تفعل قبل عقد من الزمن. أو يمكن للمرشد الأعلى علي خامنائي أن يجازف باستئناف تخصيب اليورانيوم، مراهناً على أن ترامب لن تكون لديه الشجاعة أو الدعم السياسي لمنعه من ذلك بوساطة عمل عسكري. ومن الواضح جداً أن ترامب لم يمعن التفكير بشأن ما سيحدث بعد أن يلغي الاتفاق – ذلك أن جل تركيزه منصب على التخلص من تركة أوباما - وليست لديه استراتيجية لاحتواء رد إيراني عدائي. ولكن بولتون وبعض البلدان في الشرق الأوسط ستضغط على البيت الأبيض في اتجاه عمل عسكري. وقد يجد ترامب نفسه محاصراً في الزاوية. على أن شيئاً مماثلاً يمكن أن يحدث في كوريا الشمالية، ذك أنه إذا فشل ترامب في تلبية مطالب كيم بتنازلات، فإن النتيجة المتوقعة هي استئناف النظام لاختبارات الصواريخ العابرة للقارات والرؤوس النووية. ثم ماذا؟ الواقع أن ترامب لا يملك خطة، ولكن بولتون سبق له أن أعلن عن خطته: ضربة أميركية أحادية الجانب، يعقبها احتلال الجنود الأميركيين لكوريا الشمالية. بيد أن ترامب قد يتمكن من تجنب هاتين الأزمتين ويحقق في الوقت نفسه هدفه الجوهري المتمثل في الاستئثار باهتمام العالم. كما يمكن أن يقبل مقترح أوروبا بخصوص إيران، أو تمديد الاتفاق من جديد قصد ترك الوقت لمزيد من المفاوضات. ويمكن أن يعلن عن اتفاق باهر وغامض مع كيم، مرجئاً الاتفاق على المحتوى إلى سنوات من المفاوضات الشاقة التي من شأنها منح الكوريين الشمالية مزيداً من الوقت. وهذا بالضبط نوع المماطلة الذي تحدث عنه بولتون باعتباره أسوأ من الذهاب إلى الحرب. ولكنه قد يتعلم، مثلما تعلم عدد من مساعدي ترامب من قبل، أن ترامب هو الذي يتولى إدارة برنامج تلفزيون الواقع هذا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»