في الخامس والعشرين من مارس 2018، قادت عضو الكونجرس وزعيمة الديمقراطيين «نانسي بيلوسي» وفداً من عشرة نواب ديمقراطيين إلى إسرائيل والأردن، ووجهت إليها الرسالة التالية: السيدة/ بيلوسي: (تحية طيبة وبعد: لقد علمت أنك تقودين وفداً من أعضاء «ديمقراطيين» في الكونجرس لزيارة إسرائيل والأردن خلال الأسبوع الجاري، ويحدوني الأمل ألا أكون قد تأخرت في كتابة هذه الرسالة لأعرض بعض المخاوف التي آمل أن تساعد في تأطير محادثاتك أثناء الزيارة. وأدرك أن العام الجاري يشهد الذكرى السبعين لإعلان قيام إسرائيل، وأنك قد أصدرت بياناً تهنئين فيه الشعب الإسرائيلي. وأطلب منك التكرم بأن تتذكري أن هذا التاريخ يمثل للفلسطينيين ذكرى النكبة، وطرد 700 ألف شخص من مواطنيهم يعيشون في المنفى منذ ذلك الحين، ويأملون في العودة إلى منازلهم، وأن يجتمعوا مع أسرهم ومجتمعاتهم. وأحضُّكِ على أن تتعاملي بحساسية مع هذه المأساة. وخلال الأسبوع الجاري، أحيا المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل الذكرى الأربعين لـ«يوم الأرض»، وهو اليوم الذي نهضوا فيه في مظاهرات وطنية للاحتجاج على مصادرة إسرائيل لأراضيهم في محاولة لـ«تهويد الجليل». وسيثمن الفلسطينيون العرب لكِ زيارة الناصرة في قلب الجليل، وإذا ذهبت إلى هناك ستتمكنين من زيارة «ساحة هاجر» في مركز المدينة. وقد بناها المواطنون الفلسطينيون تخليداً لذكرى عائلاتهم وأصدقائهم الذين يعيشون في المنفى. وقبل 25 عاماً مضت، وقفت إلى جانب بعض أعضاء الوفد في حديقة البيت الأبيض، بينما كنا نحتفل بتوقيع اتفاقيات أوسلو وبالأمل في التوصل إلى سلام فلسطيني إسرائيلي. وفي عام 1996، عقب انتخابه رئيساً للوزراء، تمت دعوة بنيامين نتنياهو لإلقاء خطاب أمام جلسة مشتركة للكونجرس. واستغل انتخابه وذلك الخطاب في إعلان نيته القضاء على تفاهمات أوسلو. وأدت السياسات التي انتهجها إلى تقويض فرص السلام، وهو ما أصاب الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون بالإحباط، لدرجة أن البيت الأبيض رفض لقاء نتنياهو لفترة من الوقت. وقد تذكرت أيضاً رحلة الرئيس كلينتون في عام 1998 إلى غزة والقدس وبيت لحم، وأتذكر ذلك الإحباط العميق من تصرفات رئيس الوزراء الإسرائيلي. ففي تلك الفترة، توسعت المستوطنات وزاد القمع. وعكف المتعصبون الإسرائيليون على تقويض فرص السلام. ونجحوا في ذلك بشكل كبير. وقد كان هناك بعض الأمل في أن تؤدي مفاوضات طابا إلى استئناف عملية السلام، لكن خسر إيهود باراك انتخابات 2001 لصالح آرييل شارون، ومرة أخرى تبددت آمال السلام. وأعقب ذلك سنوات من العنف المميت، ومهد إهمال إدارة بوش الطريق أمام مزيد من سياسات القمع الإسرائيلية. وفي الوقت الراهن، بينما يتقبل معظم القادة السياسيين الأميركيين حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، من الصعب بشكل كبير تصور كيف يمكن التوصل إلى ذلك الحل، إذ يوجد في الوقت الراهن زهاء 700 ألف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية، تربطهم بإسرائيل شبكة طرق مخصصة لليهود فقط، ومستوطناتهم متناثرة في أنحاء الأراضي الفلسطينية. وهذا الوضع المؤسف يفاقمه الجدار العازل الذي بنته إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، والذي يفصل القرى عن الأراضي الفلسطينية. أضف إلى ذلك السياسات الإسرائيلية من هدم المنازل والاعتقالات الجماعية من دون تهم والإذلال في نقاط التفتيش إلى عنف المستوطنين الجامح ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم. وفي ضوء ذلك الوضع الكئيب، أدعوكِ إلى إدراك أن الائتلاف الحاكم حالياً في إسرائيل لم يعزز فقط من تلك السياسات، لكنه يسعى لتمرير قانون لضم الضفة الغربية، وتعزيز قبضته على الفلسطينيين، وجعل أفق التوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين مستبعدة بشكل كبير. وهذا الوضع الراهن غير قابل للاستمرار، ويدعو القيادة الأميركية إلى التيقن من أن ما سيأتي لاحقاً سيكون تطوراً نحو السلام، وليس انزلاقاً نحو العنف. ومن أجل هذه الغاية، هناك قضايا أتصور أنه سيكون من الملائم والمهم إثارتها مع القادة الإسرائيليين. ففي ظل تسارع التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية الذي يجعل قيام دولة فلسطينية مستقلة أمراً شبه مستحيل تحقيقه، ما هي الرؤية الإسرائيلية طويلة الأمد للفلسطينيين؟ فيبدو أنهم قد اختاروا التحرك نحو حل دولة الفصل العنصري الواحدة، حيث يظل فيها الفلسطينيون أمة أسيرة من دون حقوق. ومن القضايا الأخرى، توثّق منظمات حقوق الإنسان انتهاكات ضد الأطفال الفلسطينيين في السجون العسكرية الإسرائيلية، فلماذا يستمر ذلك، وما هي الإجراءات اللازمة لوقف هذه الانتهاكات؟ ويواصل الوضع الإنساني في غزة تدهوره في ظل الحصار الإسرائيلي، بينما تحذر الأمم المتحدة من أن غزة ستصبح مكاناً «يستحيل العيش فيه» خلال السنوات المقبلة. فهل ينبغي رفع الحصار واستبداله بوسائل سياسية لحل أزمة غزة من دون معاقبة المدنيين؟ آمل أن تمضي الزيارة بشكل جيد، ويحدوني الأمل في إثارة مثل هذه القضايا السياسية مع الإسرائيليين. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام). انتهت الرسالة