تحصد الإمارات باستمرار ثمار علاقاتها الخارجية القائمة على تحقيق المصالح الوطنية والتحولات الجوهرية في البنية التحتية، بما يؤسس باقتدار للقاعدة المستقبلية للاقتصاد الإماراتي المستدام خلال العقود القادمة. ويأتي هذا التفكير الاستراتيجي الإماراتي في إطار استثمار العلاقات التي تبنيها بلادنا مع الأقطاب الدولية العملاقة في مجالات الابتكار والصناعة والتطور التكنولوجي الحديث. هذا هو المدخل المناسب للحديث عن الشراكة المثمرة والإيجابية التي تكونت بين دولة الإمارات وكوريا الجنوبية. حيث جاءت زيارة «مون جاي إن»، رئيس كوريا الجنوبية، إلى الإمارات الأسبوع الماضي، بمثابة فرصة للانتقال بالعلاقات الثنائية بين البلدين إلى مرحلة متقدمة. وكانت الإمارات قد رحبت بالمقترح الكوري برفع مستوى العلاقات الاستراتيجية بين البلدين إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية الخاصة، وذلك على لسان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. واستجابةً لهذه الخطوة واستثماراً لزيارة قيادة كوريا الجنوبية إلى الإمارات، تم التوقيع على عدد كبير من مذكرات التفاهم بين البلدين، شملت المشاريع الصغيرة والمتوسطة والابتكار والطاقة المتجددة وطاقة الأعمال الجديدة ومجالات التعليم المتعلقة بالإلكترونيات الدقيقة وجوانب أخرى. وكان أبرز حدث إماراتي خلال الأسبوع الماضي، هو الاحتفالية التي أقيمت بمناسبة اكتمال الأعمال الإنشائية للمحطة الأولى في مشروع محطات براكة للطاقة النووية السلمية، بمنطقة الظفرة في إمارة أبوظبي. وبذلك تم الإعلان ضمنياً عن انضمام دولة الإمارات إلى القطاع النووي السلمي العالمي، كأول دولة عربية تمتلك محطة سلمية تجارية للطاقة النووية، وهو القطاع الذي لم تنضم إليه أي دولة جديدة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي. وتعكس الخطوة الإماراتية الجديدة في مجال الطاقة مستوى التعاون الكبير بين مؤسسة الإمارات للطاقة النووية والشركة الكورية للطاقة الكهربائية «كيبكو». فيما تكمن أهمية مشروع براكة الإماراتي لتوليد الطاقة النووية في أنه يعد الأكبر من نوعه على مستوى العالم، بطاقة إنتاجية تصل إلى 5600 ميغاواط. هذا الحلم الذي نشهد تحققه بالتدريج، سوف يكون علامة على الطموح الإماراتي المبكر لاتخاذ الاحتياطات المدروسة جيداً، بهدف مواجهة الاحتياجات الملحة للطاقة، وبخاصة في ظل التوسع العمراني المتزايد، إلى جانب تعدد قطاعات الإنتاج والاستثمار الداخلي في المناطق الصناعية. وبإنجاز المحطة الأولى في هذا المشروع العملاق، تكون الإمارات قد تأكدت من صواب نظرتها الثاقبة لتوجهات علاقاتها الخارجية، واستفادت من خبرات كوريا الجنوبية في هذا الجانب، من أجل إنجاز المشروع الإماراتي المستقبلي الطموح للطاقة النووية. وفي إطار التعاون الإماراتي الكوري أيضاً، قامت شركة «أدنوك» الإماراتية مؤخراً بمنح شركة «سامسونغ» الكورية الجنوبية عقدين لتطوير مصفاة الرويس. ونلاحظ هنا مدى الثقة الإماراتية التي يتم على ضوئها منح كوريا الجنوبية مشاريع كهذه. ولا ننسى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يصل 88 مليار درهم. كما أن كوريا الجنوبية بالنظر إلى حجم إنتاجها التكنولوجي والمعرفي نجحت في جذب مشروعات الشراكة مع القوى الاقتصادية في منطقتنا، لذلك تحرص الإمارات على تمتين علاقاتها بكوريا الجنوبية، التي لا يقل ثقلها الاقتصادي عن الدول الكبرى المؤثرة في الإنتاج والاقتصاد العالمي والابتكار، بما فيها اليابان والولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، بل أصبحت كوريا الجنوبية تتفوق في بعض القطاعات على الكثير من الدول. وفي المحصلة النهائية تقودنا الشراكة المثمرة بين دولة الإمارات وكوريا الجنوبية إلى التقاط دروس مهمة، أبرز مضامينها أن الحكمة السياسية والاهتمام ببناء الإنسان والتوقف عن استهلاك الشعارات الأيديولوجية الجوفاء تعد من الروافع الأساسية للنهوض بالشعوب. بدليل أن كوريا الشمالية تعيش أسوأ الأحوال الاقتصادية والإنسانية، رغم أنها محاذية جغرافياً لكوريا الجنوبية الغنية بانفتاحها وتنوع مصادر اقتصادها وازدهار عقول أبنائها وارتفاع مستوى التعليم والتأهيل الذي يرفد الاقتصاد الكوري بالكوادر. أما كوريا الشمالية فلا تزال تدفع ضريبة ركودها الطويل في مرحلة العبثية والديكتاتورية، وهي بذلك نسخة مطابقة للنظام الإيراني في منطقة الشرق الأوسط. علينا أيضاً أن نفخر بأن الإمارات تحافظ على قدرة تنافسية عالمية تجعلها وجهة مفضلة للتعاون والاستثمار الاقتصادي مع القوى الفاعلة في المشهد الاقتصادي الدولي.