يتعسر التغيير لمشكلات وقضايا جديدة في حياة المجتمع العربي بسبب استخدام وسائل وأدوات قديمة ومتقادمة، ما ينتج حالة من المفارقة، التي تنتج بدورها حالات تعبر عن الاضطراب والندم والدخول في وضعيات معقدة وأخرى تحمل طابع المفارقة أو الشعور بالفشل والضعف والخذي، إضافة إلى التحدي بدرجة أو بأخرى، ولعل ذلك تعبير عن ضآلة الثقة بالنفس والشعور بالاستصغار لإمكانات أبواب التحدي والخروج من «إنسداد الأفق». ولعلّ ذلك وغيره يظهر خصوصاً في مراحل الانتقال وضآلة التجربة الذاتية. وعموماً قد نرى مثل تلك المواقف في المراحل الأولى من دخول تجربة أو أخرى في المجتمعات العربية الراهنة. وهذه الحالة لعلنا نلاحظ حضورها وتأثيراتها المختلفة والضعيفة، غالباً بسبب عمرها القصير والمصاعب الجمّة التي تحيط بها، والتي منها مقاومة فئات مجتمعية لها، جهلاً أو شعوراً بمساس مصالحها سلباً وبدرجة أو بأخرى إذا هيمنت تلك المواقف في المجتمع، وخصوصاً في مواقع العمل، وكذلك في مواقع التعلم. وفي تلك الأحوال قد تقع حركات اجتماعية أو انقلابات عسكرية تهدف إلى إعادة النظر في ذلك. وهذا ما شاهدناه سابقاً ونشاهده راهناً، في بلدان عربية متعددة وربما آخذة في التكاثر، ما يجعلنا نظل متمركزين في رؤية الأحداث العظمى والوسطى والصغرى فيها. بل إن المرحلة التي نعيشها راهناً والتي نواجه مظاهرها الصغرى والخفيفة والخطيرة، تجعلنا نقرر بأن هذه المرحلة بمظاهرها هذه قد تدخل في سياق الأخطار العظمى في المنطقة العربية، وأيضاً في العالم. وإذا دققنا في تلك الأخطار العظمى، سنرى أنها تحمل طابعاً حاسماً: الانتقال من مراحل ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي قد تضعنا أمام خيارات عظمى لم تأخذ أصداءها حتى حينه: فشل الحرب العالمية الثانية، وسقوط الاتحاد السوفييتي. لقد جاء سقوط الاتحاد السوفييتي بمثابة الوجه الآخر لظهور البديل في الاتحاد السوفييتي، هذا البديل الذي استطاع أن يفيد بدوره عالم ما بعد ذلك السقوط في «العالم الثالث» خصوصاً، وفي نشأة الاضطراب العالمي بما في ذلك في الشرق الأوسط تحديداً. وقد راح ذلك يحدث وفاقاً مع تفجير الأحداث الكبرى والصغرى في هذا الشرق، ومن ذلك محاولة تغيير النسيج الطائفي بالتوافق مع الأحداث المعيشة في سوريا والعراق واليمن وباقي أقطار العالم العربي، مع إعادة بناء إيديولوجيات هذا البناء الأخير؛ ومع تغيير الإيديولوجية الأثنية والعرقية. وهذا الأمر الأخير يعرفه جيداً كما يعمل بمقتضاه من يعمل في سوريا على إنهاء الطائفة السُنية وأيضاً في العراق وغيرها؛ مع إعادة خلخلة النسيج الاجتماعي والثقافي لمن تبقى من البلدان العربية. وفي هذا كله وبالتوافق معه، تجري عملية أخرى متوافقة مع تلك، وتقوم على استخدام جرأة واستفزاز كبيرين وخطيرين من عملية تهجير سكانية واسعة وآخذة في الاتساع، لأعداد كبيرة من حقل سكاني إلى حقل سكاني آخر. وتحضرني واقعة راحت تحدث منذ سنوات، ربما منذ سنة 2011، حين أعلن السيد حسن نصر الله عن تدخله العسكري المسلح في سوريا، ومن ثم في إرساله قوات عسكرية «شيعية إيرانية وأخرى لبنانية وغيرها من المناطق الشيعية». وفي سياق ذلك أعلن أنه فعل ذلك في سبيل الدفاع عن المقدسات «الشيعية». وتوافقاً مع ذلك وغيره من الأحداث، أحدث الرئيس بوتين اتفاقيتين «في حميميم وطرطوس» يمتلك بمقتضاهما الحق في امتلاك ما يأتيه منهما من المنتجات الأساسية. وفي هذا وذاك لا حقّ لأحد، بالمعنى القانوني، أي تدخل في هذين الاتفاقين «الأول 49 سنة والثاني خمس عشرة سنة». كما تبرز الولايات المتحدة الأميركية وإيران لتطالبا بحقيهما في هذين الاتفاقين، إضافة إلى إيران، وربما كذلك تركيا وغيرهما..، بحيث يمكن القول بأن «حساباً تدقيقياً» من المصالح راح يعلن عن نفسه وعن ضرورته. هكذا، رحنا نبحث عن سوريا، لنجدها تحولت إلى «حصص» للأطراف المتعددة؛ مع الإشارة إلى أن «الباب» ظل مفتوحاً أمام من يبحث عن حصته؛ سواء انتماء الأطراف إلى هذا الحيز أو ذاك. فأصحاب الدار مغلوب على أمرهم، إضافة إلى أنهم يتقاتلون إلى أن يتغلب طرف منهم على نحو حاسم، فإذ ذاك، يصبح الصراع في أوجه، يبحث عن الأقوى والأكثر فاعلية وعزماً على الانتصار. إن سوريا تمثل ورقة محروقة في ساحة الاقتتال، بحيث إن من ينتصر في هذه المعركة، ينتصر على الجميع، أي مع الجميع، ذلك أن هؤلاء الجميع هم من يمتلك شبراً أو آخر من التركة «الضحية».