في عالم الغابة تقضي عائلة الأسد على الفريسة بخنقها أولا قبل التهامها. وهكذا تعدو اللبوة خلف الجاموس ثم تنقض على عنقه حتى يسلم الأنفاس. الضباع تختصر العملية بافتراس الضحية وهي على قيد الحياة. ما يحدث في سوريا اليوم هو افتراسها من تسعة ضباع تنهش لحمها. وفي تحليل لـ«كريستوف رويتر»، الألماني المتابع للحرب السورية، نجده يعطي لكل ضبع رقماً حتى وصل إلى الرقم تسعة. لكنه يبتدئ مقالته بتساؤل مضحك: ما الذي جمع بين مزوِّر العملة والروسي القوزاقي والأكراد شبيحة نظام الأسد؟ فالأول مطارد بتهمة قتل في بلد، وبتزوير وثائق في بلد آخر، وهو مزور العملة السورية ذات الألف ليرة، لكن النظام السوري عفا عنه وأمده بمال من أجل تعاونه في قتل شباب الثورة. أما الروسي القوزاقي فهو الذي أعلن عن نفسه حاملا سيفه مع نياشين على صدره، وخلفه مجموعة من القتلة باسم فرقة «فاجنر». لكن ما الذي حدث حتى تصاعدت حدة القتال مؤخراً؟ السر هو رائحة الغاز والبترول، فإلى الشرق من دير الزور رائحة الحقل النفطي هناك جذبت القوى المتصارعة بعد هزيمة «داعش». وهكذا، وبمساعدة من أميركا، تمدد الأكراد على طول نهر الفرات شرقاً يطمحون لبناء دولة خرافية. وقد أرعبت الأتراكَ خططُ الأميركيين مع الأكراد لتفتيت تركيا، فسارعوا لقطع الطريق على كردستان! والآن جاءت التسوية بين الضباع لقسمة الجثة السورية. الأكراد، ومن أجل الزحف إلى غرب الفرات لقتال الأتراك في عفرين، سوف ينسحبون من مناطق الغاز، فيدخل إليها شبيحة الأسد. مقابل هذا يفتح النظام طريقاً لنقل مئات المقاتلين الأكراد إلى عفرين عبر المناطق الخاضعة له. الروس من جانبهم سيغلقون المجال الجوي لتمكين المقاتلين الأكراد من التدفق. هكذا اتفقت الضباع. لكن ما حدث كان شيئاً آخر، فقد قام النظام بفتح الطريق لالتحاق الأكراد بجبهة عفرين، بيد أن الذين تدفقوا كانوا مقاتلي القوزاقي من فرقة «فاجنر». لكن مع وصولهم إلى حقل الغاز كانت القاذفات الأميركية تستقبلهم فتحصد منهم المئات حرقاً. ثم يفتح الروس المجال الجوي في وجه المقاتلات التركية لتحصد المقاتلين الأكراد القادمين. والسؤال ما الذي جرى؟ وكيف اختلطت الأوراق وانتشر الغدر بين الضباع المتقاتلة على الجثة السورية؟ حسب قانون الغاب فإن النهش حسب العضلات وليس الاتفاقيات، فهذا هو قانون الغابة المعمول به في العالم حالياً. روسيا قالت إن المرتزقة لم يأخذوا ترخيصهم للدخول. والبنتاجون لا يهمه أي اتفاق، بل المهم لديه هو حقل الغاز، والتمكين للأكراد أو الضحك عليهم أيضاً، وهذه قضية معروفة منذ أيام الملا مصطفى البارزاني. والآن نأتي إلى الخريطة لنرى الأكراد وقد التهموا ثلث سوريا، والأتراك يلتهمون عفرين بالاتفاق مع الفرس والروس الذين التهموا دمشق، والروس يلتهمون الساحل السوري بعد حلم طويل بالوصول إلى المياه الدافئة، وقد مكنهم بشار الأسد من ذلك من أجل السلطة. ولا ننسى «الجيش السوري الحر» و«داعش» وعشرات الفصائل المتناحرة، خاصة في ادلب، وهو ما يذكّر باقتتال المجاهدين الأفغان الذين زعم أحد المشايخ أن الملائكة كانت ترافقهم، ثم اختفت فجأة ليسود قانون الغاب، حيث الكل يقتل الكل، كما كان حال الحرب اللبنانية. الخلاصة التي ينتهي إليها «كريستوف رويتر» أن ما يحدث هو اقتتال للقوى الغريبة على الأرض السورية، وأن هناك احتمال حدوث تصدع في خطوط القتال، يتبعه اشتباك أميركي روسي. وكل احتمال وارد طالما كان قانون الغابة سائداً والضباع تنهش والأسود تفترس والدب الروسي يزمجر.