قبل أن يصبح رئيساً لوزراء الهند في عام 2014، كان ناريندرا مودي يشغل منصب كبير الوزراء في ولاية جوجارت لمدة ثلاثة عشر عاماً، حيث كان يحكم بقبضة من حديد. وفي حين أن سكان جوجارت يعرفون بأنهم مجتمع أعمال داهية، تكتسب الولاية أيضاً سمعة سيئة بسبب عدم التسامح الديني والتنافر الطائفي. وخلال ولايته ككبير للوزراء، اندلعت أسوأ اشتباكات طائفية في عام 2002 في تلك الولاية ما أدى إلى مقتل أكثر من ألف مسلم. وقد تعرض أسلوبه في العمل للانتقاد الشديد من قبل جميع الأحزاب السياسية بما في ذلك بعض القادة البارزين في حزب «بهاراتيا جاناتا» الذي يتزعمه. وحيث إنه كان يحظى بالدعم الشديد من قبل الجناح الهندوسي المتطرف «راشترايا سوايام سيفاك سانغ»، والذي يعد المنظمة الأم لحزب «بهاراتيا جاناتا»، استمر «مودي» في حكم الولاية بلا عائق. وقبل الانتخابات الفيدرالية عام 2014، تورط حزب الكونجرس، الذي كان يحكم ضمن ائتلاف مكون من أحزاب إقليمية لعشر سنوات، في عدة فضائح فساد، الأمر الذي أضعف حكومته. ورأى حزب بهاراتيا جاناتا، الذي كان حزباً معارضاً في ذلك الوقت، أن هذه فرصة ذهبية للاستيلاء على السلطة. بيد أنه لم يكن لديه قائد شعبي قادر على جذب الناخبين لجلب الحزب اليميني إلى السلطة. وعليه، دفعت المنظمة الأم للحزب «راشترايا سوايام سيفاك سانغ» بترشيح «ناريندرا مودي»، وشعرت الكوادر اليمينية المتطرفة في الحزب بسعادة غامرة بالقرار، حيث إنه كان معروفاً بعدم مرونته في الميول المتطرفة، وأيضاً بأيديولوجيته القومية الهندوسية. وقاد «مودي» الحملة الانتخابية بحماس كبير، وفاز الحزب في انتخابات 2014 بأغلبية مطلقة، للمرة الأولى على الإطلاق في تاريخ الهند المستقلة، وأصبح رئيساً للوزراء. وبمجرد أن جاء حزب «بهاراتيا جاناتا» إلى السلطة، بدأت هيمنته على المستوى الوطني في النمو. وفي ظل حكم «ناريندرا مودي»، فاز الحزب في سلسلة من الانتخابات في عدد من الولايات على وعود تتراوح من توفير فرص العمل للشباب إلى زيادة رواتب العمال وتقديم المساعدات المالية للمزارعين. وحيثما كان يخسر الانتخابات، كان يتمكن من تشكيل حكومات إما من خلال تشكيل تحالفات مع الأحزاب الإقليمية الأصغر، أو من خلال التماس الانشقاقات من الأحزاب السياسية الأخرى، وذلك عن طريق إغراء أعضائها بالمال. واليوم، يحكم حزب بهاراتيا جاناتا في 21 من إجمالي 29 ولاية هندية. ولأنه سياسي ذكي، أدرك «ناريندرا مودي» أهمية رفع مكانته في الساحة الدولية. ولذا، فقد بدأ القيام بزيارات رسمية لعدد من الدول الأجنبية واحدة تلو الأخرى. وعدد الزيارات الخارجية التي قام بها منذ أن تولى رئاسة الحكومة في فترة خلال أربع سنوات لم يقم بها أي رئيس وزراء آخر منذ استقلال البلاد. وقد ساعده هذا بالتأكيد على زيادة شعبيته وساعد البلاد على تعزيز العلاقات مع العالم الخارجي. ولكن للمرة الأولى منذ أربع سنوات، بدأت حالة من عدم اليقين تزحف إلى حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم وتتحدى هيمنته. هذا ليس فقط لأن مودي لم يف حتى الآن بالوعود الكثيرة التي قطعها ما جعل الشباب والفقراء يشعرون بالاستياء، بل أيضاً بسبب بعض القرارات أحادية الجانب التي اتخذها مثل إلغاء بعض الفئات من العملة، وزيادة الضرائب المفروضة على الفقراء والطبقة المتوسطة دون الوثوق بأحزاب المعارضة أو حتى بأعضاء حزبه. وبدأ أسلوب عمله الذي يتمثل في «عدم التحدث أو الإنصات» إلى أي شخص بشأن القضايا الساخنة، بدءاً من الهجمات التي تشنها العناصر اليمينية الهندوسية على الأقليات، إلى المزاعم الكاذبة بشأن حرق دور العبادة، في إثارة القلق بين جميع طبقات المجتمع تقريباً. وبدأ تصور أن حزب بهاراتيا جاناتا تحت زعامة ناريندرا مودي لا يقهر في التلاشي بسبب تقاعسه وتجاهل القضايا المهمة بالنسبة للمجتمع التعددي والنسيج الديني في البلاد. إن خسارة الحزب الحاكم في اثنين من الانتخابات التكميلية التي أجريت مؤخراً للبرلمان الهندي في ولاية «اترابراديش» تعد مؤشراً على أن المضي قدماً سيكون صعباً. ومنذ أن جاء إلى السلطة في عام 2014 عندما فاز بـ 282 مقعداً في البرلمان الفيدرالي، خسر الحزب الحاكم عشرة مقاعد في الانتخابات التكميلية، وأصبح الآن لديه 272 من إجمالي 545 مقعداً. وعلى الرغم من أن فقدان هذه المقاعد العشرة لا يلغي الأغلبية التي يحظى بها الحزب في البرلمان، فإنها توضح أن الأمور ليست وردية بالنسبة له فيما يقترب من الانتخابات العامة في عام 2019. وإلى جانب هذا، فإن حزب «المؤتمر» الثائر بزعامة رئيسه الجديد «راؤول غاندي» قد قطع أشواطاً في مناطق تعتبر قاعدة تأييد تقليدية لحزب «بهاراتيا جاناتا» ومع تسليط الضوء على عدم وفاء «مودي» بوعوده فيما يتعلق بتوفير فرص العمل، علاوة على حالة الاستياء التي تسود بين المزارعين وعدم السيطرة على العناصر اليمينية المتطرفة المسببة للخلاف، يعمل الحزب على إعادة توحيد قوى المعارضة حول برنامج واحد. وفي هذه الخلفية، ربما يحتاج «مودي» إلى تغيير أسلوب العمل الذي يسلكه لأن الحكم كرئيس للوزراء على المستوى الفيدرالي يختلف عن الحكم ككبير للوزراء على مستوى الولاية. وعند هذه النقطة، يبدو أن عام 2019 ربما يحمل الفوز لأي شخص. *مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي