يروي الكاتب والأديب الأميركي المشهور «باتريك لورنس» حواراً جرى بينه وبين الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما خلال حفل عشاء خاص أقيم في البيت الأبيض لجمع تبرعات للحزب «الديمقراطي». يسأل «لورنس» الرئيس أوباما: السيد الرئيس ماذا حلّ بسياسة الانفتاح الخارجية التي قررت انتهاجها؟ يجيب الرئيس متسائلاً: وهل تريدني أن أنتهي كما انتهى الرئيس جون كندي؟ وللتذكير، كانت نهاية الرئيس كندي رصاصة في الرأس أدت الى سقوط جزء من دماغه في حضن زوجته التي كانت ترافقه في سيارة مكشوفة في أحد شوارع مدينة دالاس-تكساس. وحتى اليوم لم يُعرف القاتل الحقيقي. ولا الدافع الحقيقي. ولا المخطط الحقيقي. حاول شقيق الرئيس كندي روبرت، وكان يشغل منصب المدعي العام، فتح تحقيق مستقل. وكانت النتيجة أنه هو أيضاً قتل برصاصة في الرأس في السادس من يونيو 1968. ومنذ اغتياله توقفت التحقيقات في الجريمتين. كل ما تسرّب من معلومات بعد الجريمتين أن جهاز المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه) لم يكن بريئاً، بل انه قد يكون متورطاً بالجريمتين، ولكن التحقيقات لا تدخل مبنى الجهاز. المؤرخ الأميركي وليم بلوم (والذي عمل في وزارة الخارجية الأميركية لسنوات طويلة)، أصدر كتاباً حول السياسة الخارجية الأميركية ضمّنه لائحة بالمهمات «القذرة»، التي قال إن الوزارة قامت بها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهي كما يلي: محاولة الاطاحة بأنظمة ديمقراطية منتخَبة في 50 دولة، إلقاء قنابل من الجو على 30 دولة، محاولة اغتيال رؤساء 50 دولة، محاولة إجهاض حركات تحرر وطني في 20 دولة، التدخل في انتخابات ديمقراطية في 30 دولة، ويقول المؤرخ «بلوم» أيضاً إن الولايات المتحدة وخلافاً للقانون الأميركي، مارست التعذيب في المعتقلات وخاصة في جوانتانامو، وإنه خلافاً للمعاهدات الدولية، شجعت دولاً أخرى على ممارسته بالنيابة عنها وزودتها بالتقنيات الحديثة اللازمة، كما زودتها بلوائح بأسماء الذين ترغب في تعذيبهم للحصول على معلومات عن المنظمات التي تعتقد انهم ينتسبون إليها، وقد تبين –بعد التعذيب الطويل- أن المتهمين كانوا جميعاً أبرياء. تتلاقى معلومات المؤرخ بلوم مع معلومات أوردها الخبير الاقتصادي الأميركي «جون بيركينز»، والتي أوردها في كتاب له عنوانه: «اعترافات اقتصادي». في هذا الكتاب يروي الخبير كيف كانت الولايات المتحدة تعمل على تفقير دول معينة، لإخضاعها. وكيف كانت تغرق دولاً أخرى بالديون بفوائد مرتفعة تعجز عن تسديدها لابتزازها. ويروي أيضاً كيف أن أجزاء من القروض المالية كانت تستخدَم كرشاوى لبعض المسؤولين، ومن ثم كيف كانت المعلومات عن حصولهم على الرشاوى تسرّب إلى المسؤولين الآخرين المعارضين لهم، وكيف أن ذلك كان يفجر صراعات داخلية بحيث يصبح من هم في السلطة ومن هم في خارجها معاً في حضن الابتزاز الأميركي. ويذكر الكاتب أن ذلك أدى إلى تفشي الرشوة والفساد، حتى أن كثيراً من رؤساء الدول «الصديقة» في أفريقيا وأميركا الجنوبية تمنوا لو تتوقف المساعدات الأميركية التي عممت الفساد، وزرعت بذور الفتن والاضطرابات الداخلية. ويذكر «الملحق المستقل» الذي تصدره مجلة الإيكونوميست البريطانية انه نتيجة لذلك فان ثمة 65 دولة من أصل 150 ستواجه اضطرابات اجتماعية وسياسية في المستقبل القريب نتيجة لهذه السياسة. ولعل آخر وأهم ما كُشف النقاب عنه يتعلق بالدور الرئيس الذي قامت به المخابرات المركزية الأميركية لصناعة ما يسمى اليوم بالإرهاب المنسوب إلى الاسلام: فعندما كانت افغانستان لا تزال تحت الاحتلال السوفيياتي عملت المخابرات الأميركية على انشاء خلايا اسلامية – جهادية من الأفغان والباكستانيين لضرب القوات السوفييتية في افغانستان وانهاكها، في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تشن حملة مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي ضد الوجود السوفييتي في دول أوروبا الشرقية. لقد أكدت على هذا الأمر كتب عديدة لمؤلفين أميركيين من عملاء الـ«سي.آي.إيه». السابقين، والذين عمل بعضهم في ذلك المشروع، إلا أن جهاز المخابرات لم يسمح لهؤلاء الكتاب بنشر كل شيء، فالكتب التي نُشرت رغم أهمية ما تضمنته من معلومات، خضعت للمراقبة المسبقة، مما يؤكد أن ما خفي «أعظم وأشد خطراً».