تتعرض ألمانيا لانتقادات كثيرة من الخارج بسبب قطاع التصدير القوي لديها. والأمر لا يقتصر على شكوى الرئيس دونالد ترامب من عدم التكافؤ في ميزان العلاقات الاقتصادية مع ألمانيا حالياً، بل هناك أيضاً شكاوى من داخل الاتحاد الأوروبي حول الاختلالات الكبيرة في الميزان التجاري بين ألمانيا والأعضاء الآخرين. ويرى منتقدون أن نجاح ألمانيا يأتي على حساب دول أخرى، وبخاصة شركاؤها في الاتحاد الأوروبي، وأنه مسؤول بين أمور أخرى عن النمو الاقتصادي الضعيف في دول مثل إيطاليا واليونان. لكن ليس هناك إجماع على هذه الفرضية التي تشير إلى أن نجاح دولة في صادراتها يعني تلقائياً خسارة للشركاء التجاريين. لقد أشارت دراسة لمعهد بروجنوس الاقتصادي البحثي السويسري مثلاً إلى أنه بسبب التقسيم المتقدم للغاية للعمل داخل الاتحاد الأوروبي، تستفيد الدول الأعضاء الأخرى بشكل كبير من التعافي الاقتصادي الألماني. وأشارت الدراسة إلى أن طلبات التوريد الألمانية توفر ما يقرب من خمسة ملايين فرصة عمل في الدول الأعضاء. والسوق الألمانية للسلع المتحولة (الوسيطة) والسلع الرأسمالية مسؤولة وحدها عن توفير ما إجماليه 3.4 مليون وظيفة في الاتحاد. وذكرت الدراسة أنه إذا خسرت ألمانيا قوتها التنافسية، من خلال الزيادة الكبيرة في الأجور مثلا، فإن هذا لن يفيد باقي الدول الأوروبية، بل ستكون له عواقب سلبية عليها. وفي الشهور الأحد عشر الأولى من 2017، صدّرت ألمانيا ما قيمته 750 مليار يورو من البضائع إلى دول التكتل الأوروبي الأخرى. ومن ثم فإن 59% من الصادرات الألمانية بيعت داخل السوق الأوروبية الموحدة. وفي الوقت نفسه، استوردت منها ألمانيا بضائع بقيمة 590 مليار يورو، أي أن 57% من إجمالي وارداتها جاءت من التكتل. وبالنسبة لكثير من الدول الأوروبية، تمثل ألمانيا الشريك التجاري الأساسي وهذه الدول تستفيد من هذا. وأكبر موردين تجاريين لألمانيا في الاتحاد الأوروبي هي هولندا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا وبولندا وتشيكيا والنمسا. وبالنسبة لدول كثيرة في التكتل، تعتبر ألمانيا الأهم بفارق كبير كسوق للمبيعات. وترسل النمسا والمجر وبولندا أكثر من ربع صادراتها إلى ألمانيا. وصادرات التشيك إلى ألمانيا تشكل ثلث مجموع صادراتها. والتقسيم الصناعي للعمل ينعكس أيضاً على نسب ورادات ألمانيا من الاتحاد الأوروبي. وهناك 70% من الواردات تتكون من السلع الأولية للصناعة والسلع الرأسمالية. وعلى النقيض، تشكل السلع الاستهلاكية مثل الطعام والغذاء والسيارات نسبة أقل بكثير لتمثل 30% فقط. وصناعة السيارات الألمانية تمثل علامة مميزة في هذا الشأن. فقد أشار معهد بروجنوس إلى أن صناعة السيارات هي المشتري الأساسي للمواد من دول التكتل الأخرى، حيث استوردت بضائع بقيمة 100 مليار يورو في عام 2016. ويأتي في المرتبة الثانية صناعة الكيماويات تتبعها صناعة الهندسة الميكانيكية. أما صناعة الغذاء فتحل في المرتبة الرابعة. وتستفيد جمهورية التشيك بأكبر درجة من بين جميع دول التكتل من التجارة مع ألمانيا. فهناك 8% من إنتاجها المحلي الإجمالي يدعمه طلب ألمانيا على الواردات. وفي سلوفاكيا وهولندا والنمسا تبلغ النسبة نحو 7%. وفي دول مثل فرنسا وإيطاليا فان النِّسب أقل بكثير إذ تمثل الصادرات إلى ألمانيا 1.7% فقط من الإنتاج المحلي الإجمالي. ويتوقع معهد بروجنوس نمو الاقتصاد الألماني بنسبة 1.6% فقط خلال السنوات المقبلة، مما قد تكون له عواقب سلبية على كثير من الشركاء الأوروبيين، وخاصة سلوفاكيا وتشيكيا والمجر وبولندا. دوريثا زيمس صحفية ألمانية متخصصة في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»