هل باتت المواجهة بين واشنطن وطهران مسألة قدرية حتمية تتسارع بها الخطوب في الأشهر الأخيرة؟ عدة معالم وملامح تقودنا إلى القطع بذلك لعل أهمها تلك التصريحات الساخنة التي صدرت عن قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال «جوزيف فوتيل» قبل أسبوعين تقريباً في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في الكونجرس الأميركي. باختصار غير مخل يعتبر الأميركيون اليوم أنشطة إيران ضرباً من ضروب الخبث طويل الأمد الذي يُشكل تهديداً ممتداً لأمن واستقرار المنطقة، ويؤكدون على أن سياسات الفتنة النائمة التي تمضي في نشرها خليجياً وشرق أوسطياً، تزداد عبر السنين، وتُشكّل «قوة الشر» الأخطر في عالمنا المعاصر. الجنرال «فوتيل» وضعنا والعالم كله أمام حقيقة مثيرة وخطيرة في آن واحد... «مواجهة إيران هدف أميركي، وليست هدفاً عسكرياً خاصاً بالقيادة المركزية الأميركية»، الأمر الذي يفيد بوحدة الرأي والتوجه بين كافة الوزارات الأميركية لاسيما الخارجية والدفاع.. هل من تفصيلات في هذه الجزئية؟ بعض التقارير الاستخباراتية الصادرة حديثاً عن مؤسسة «ستراتفور» التي تعرف في الولايات المتحدة الأميركية بأنها استخبارات الظل أفادت بأن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، قد وزع العام الماضي على الميليشيات التابعة لإيران في العالم أكثر من مليار دولار، حصل «حزب الله» فقط منها على أكثر من 800 مليون دولار، مكنته من نشر 7000 متطوع في سوريا، ناهيك عن الأموال والأسلحة التي يتلقاها «الحوثيون» في اليمن ليكونوا الذراع الطويل لطهران. يدرك العقلاء في الولايات المتحدة الأميركية لاسيما أجهزة الاستخبارات، وأصحاب المراكز الدراسية الاستراتيجية أن خطر إيران يتعاظم على نحو غير مسبوق، وبنحو خاص بعد نجاحات «فيلقها الأجنبي» في الحرب السورية، ما سيعطي زحماً لغرورها الدوجمائي لاعتبار الأمر علامة رضى من السماء ومباركة لدورها الذي صرح به قادتها السياسيون والعسكريون على حد سواء، وتالياً ستمضى محاولات اختراقها للعراق ولبنان وسوريا، بجانب دورها في اليمن، ما يفيد بأن أي دعم أممي لأي من تلك الدول التي اخترقت إيران مؤسساتها السياسية والسيادية سيصب مباشرة في دعم الميلشيات الشيعية الإيرانية في الخليج والشرق الأوسط في أول الأمر، وعالمياً في خطوة لا تداريها ولاتواريها طهران. أدرك الأميركيون مؤخراً أن الاتفاقية النووية مع إيران كانت واحدة من أكبر حماقات القرن، وغاب عنهم أن «التقية الإيرانية» التقليدية، هي رداء لكل العصور يجيد الملالي ارتداءه صيفاً وشتاء. لكن تصريحات «مايك بنس» نائب الرئيس الأميركي ترامب، ربما تحمل إشارات لما نعتبره مواجهة حتمية قادمة لا محالة، ففي اجتماعه بالقوى المحافظة بولاية ماريلاند أواخر فبراير الماضي، وصف «بنس» الاتفاق بأنه «كارثي» وأن «واشنطن لن تقر بعد الآن بالتزام إيران بالاتفاق النووي الذي يجمعهما منذ 2015 بست دول كبرى من بينها الولايات المتحدة». لا يغيب عن ناظر المحقق والمدقق في الشؤون الأميركية أن «بنس» يعد قوة ضارية حقيقية في إدارة ترامب وهو مرشح لأن يصبح رجل الدولة الأول، ولديه في وسط التيار المحافظ من الأميركيين ما يدفعه ويدعمه لملاقاة الإيرانيين على أراضيهم ودون انتظار لتعاظم شرورهم. آخر علامات السعي الإيراني لإفقاد الشرق الأوسط سلامه واتزانه كشفت عنه شبكة «فوكس نيوز» الاخبارية في 28 فبراير الماضي أيضاً، عندما عرضت صوراً لأقمار اصطناعية أميركية تشير إلى قاعدة عسكرية إيرانية على بعد 13 كيلو مترا شمال – غرب دمشق، وجاءت الصور مصحوبة بتقرير أميركي يفيد بأن قوات إيرانية خاصة من «فيلق القدس» تدير القاعدة التي تحوي مستودعات لتخزين الأسلحة، والقاعدة الجديدة تشابه قاعدة عسكرية كانت ايران بنتها خلال العام الماضي جنوب دمشق. هل أصيب الإيرانيون بجنون العظمة ويسعون بالفعل لـ»خلافة» في الخليج العربي والشرق الأوسط؟ في مقال أخير له عبر مجلة «فير أوبزيرفر» الأميركية يتحدث الكاتب البريطاني الشهير «إيان مكريدي» عن طموحات إيران التوسعية في الشرق الأوسط، ويشير إلى أن خطوات طهران الحالية هي جزء من مخطط إيراني لخلافة الحكم العثماني والسيطرة على الدول العربية الرئيسية، وغيرها من دول المنطقة.. هل «مكريدي» على حق؟ أغلب الظن أن ذلك كذلك بالفعل، لاسيما وأن الملالي يمضون، وكما أشار الجنرال «فوتيل» إلى تعظيم حضورهم عبر التمدد من خلال وكلاء مخلصين لهم، يشملهم مد عقائدي بأكثر من تبعيتهم لأيديولوجية سياسية أو حزبية، ومن ناحية أخرى، يسوّفون فيما خص برنامجهم النووي، وإن كان هدفهم ومحطتهم النهائية الحصول على السلاح النووي، وساعتها يكون زمن المواجهة الأميركية معهم قد فات. آخر تصريحات الغطرسة الإيرانية، والتي تجعل من وضع الأميركيين استراتيجية مواجهة لإيران، كانت تلك التي صدرت عن مسعود جزائري المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، وفيها أكد على أن التفاوض حول الصواريخ الإيرانية مشروط بتدمير الأسلحة النووية وصواريخ أميركا وأوروبا بعيدة المدى. تدرك المؤسسة العسكرية الأميركية أن إرسال طهران طائرة من غير طيار للأجواء الإسرائيلية مؤخراً كان اختباراً للتكنولوجيا الأميركية، ولقوة ردع الأميركيين، ما دعا أصواتا زاعقة حملت رايات فاقعة في واشنطن للمناداة على ترامب بأنه آن الأوان لتحجيم وتلجيم الحرس الثوري الإيراني انطلاقاً من القاعدة التاريخية...(إن أردت السلم فاستعد للحرب). *كاتب مصري