في العشرين من شهر مارس عام 2003، شنت الولايات المتحدة غزواً ضد العراق بهدف أساسي هو الإطاحة بنظام صدام حسين والقضاء على برامج أسلحة الدمار الشامل العراقية المفترضة. ولم تكن الحرب اللاحقة بمثابة كارثة على الولايات المتحدة والعراق فحسب، بل أيضاً لم يتم العثور على أي أسلحة دمار شامل في العراق. ومهما تكن القدرات التي ربما كان العراق يمتلكها، فقد أمر صدام حسين بتدمير كافة العناصر الرئيسية في برنامج أسلحته النووية والكيماوية قبل فترة طويلة من بدء الحرب الأميركية البريطانية ضد نظامه. وكان الفشل في العثور على أي دليل يثبت وجود أسلحة تدميرية ينظر إليه بحق باعتباره واحداً من أعظم إخفاقات المخابرات في التاريخ الأميركي، ويعادل الفشل في توقع الهجوم الياباني المفاجئ على ميناء بيرل هاربر في الولايات المتحدة في شهر ديسمبر من عام 1941، وكذلك هجوم تنظيم «القاعدة» على نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من شهر سبتمبر عام 2001. واليوم، فإنه من الواضح أن مجتمع الاستخبارات الأميركي، الذي عوقب بسبب الأخطاء التي ارتكبها في الماضي، يتوخى الحذر فيما يتعلق بتصريحاته بشأن التهديدات الجديدة. ومع ذلك، فهو متحد في اعتقاده بأن كلا من كوريا الشمالية وروسيا تمثلان تهديدات وجودية للأمن الأميركي. وهناك توافق في الآراء على أن برامج الصواريخ والأسلحة النووية لكوريا الشمالية قد أدخلت تحسينات هائلة على قدراتها وربما تكون حالياً قادرة على استهداف الولايات المتحدة بصواريخها المسلحة نووياً. ويعتقد جميع رؤساء مجتمع الاستخبارات الأميركي أن روسيا قد تدخلت بمختلف الوسائل غير الفتاكة للتأثير على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة لعام 2016، وأن قدراتها على التدخل ستزداد في السنوات القادمة. ومن ناحية أخرى، فإن القدرة النووية المتنامية لكوريا الشمالية تهدد العديد من البلدان بعيداً عن الولايات المتحدة. كما أن دول كوريا الجنوبية واليابان والصين لديها مصالح كبيرة في منع استخدام مثل هذه الأسلحة في المنطقة، إذ جميعها تشعر بالقلق إزاء الحديث المتداول في بعض الدوائر في واشنطن بشأن احتمال شن ضربة استباقية بالأسلحة التقليدية ضد المنشآت النووية في كوريا الشمالية. ويعتقد معظم المحللين، ومن بينهم كبار المسؤولين العسكريين في الولايات المتحدة، أن الهجوم الاستباقي سيفشل في تدمير البنية التحتية النووية لكوريا الشمالية، حيث أنها مدفونة بشكال عميق في السلاسل الجبلية، ومن الممكن أن تثير ضربات انتقامية مدمرة ضد كوريا الجنوبية، بما في ذلك القوات الأميركية المتمركزة هناك والبالغ قوامها نحو 35 ألف عسكري. والحقيقة أن كوريا الشمالية هي دولة نووية، ولا شيء سوى شن حرب على نطاق واسع أو إجراء مفاوضات جذرية جديدة لنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية بأكملها، من شأنه إزالة التهديد الذي تمثله. وهكذا فإن الطلب الذي وجهته الولايات المتحدة إلى كوريا الشمالية بأن تتخلى عن أسلحة الدمار الشامل كتمهيد للبدء في محادثات سلام، لن يكون بداية موفقة لتجريد بيونج يانج من أسلحتها النووية. ومن وجهة نظر القيادة في كوريا الشمالية، فإن أسلحتهم النووية هي أضمن وسيلة لضمان سلامة النظام وقدرته على البقاء. فقد أنفق النظام مليارات الدولارات لتنفيذ برامجه الخاصة بالأسلحة النووية والصاروخية على حساب رفاه أغلبية مواطنيه وازدهارهم الاقتصادي. ولن ينجح أي قدْر من المساعدات الاقتصادية والوعود بالتعاون في إرضاء القيادة في كوريا الشمالية، والتي لديها قناعة بأن الهدف النهائي للولايات المتحدة وحلفائها هو تغيير النظام. وفي هذا الصدد، تتشاطر الصين وروسيا القلق مع كوريا الشمالية، وهما -لأسباب مختلفة- لا ترحبان باحتمالات زوال النظام وتوحيد البلاد مع كوريا الجنوبية. وفي حين أن العديد من الكوريين الجنوبيين سيرحبون، من الناحية النظرية، بإعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية، فإنهم يخشون من أي نزاع عسكري حقيقي لتحقيقه. إن عدد سكان سيؤول، عاصمة كوريا الجنوبية، يبلغ 10 مليون نسمة، وهي تقع على بعد 35 ميلا فقط من الحدود مع كوريا الشمالية. وفي غياب بعض التغيير الجذري في موقف الكوريتين، سيتعين على إدارة الرئيس دونالد ترامب أن تستقر على سياسة أكثر قوة للردع والاحتواء، بما في ذلك امتلاك دفاعات صاروخية أقوى، علاوة على فرض مزيد من العقوبات الفعالة ضد أنشطة التهريب غير الشرعية التي تمارسها كوريا الشمالية لتوفير العملة الأجنبية الحيوية بالنسبة لها. وفيما يتعلق بتلك الإجراءات، تحظى الولايات المتحدة بدعم قوي من كوريا الجنوبية واليابان وغيرهما من الحلفاء، لكن الصين وروسيا تتعاونان بقدر ضئيل فيما يتعلق بالعقوبات. وسيحدث التطور الأكثر خطورة إذا ما قررت كوريا الشمالية أن تمد الجماعات الإرهابية بأسلحة الدمار الشامل. ومن شأن ذلك أن يكون مكافئاً لعمل من أعمال الحرب. وفي هذا الصدد من الممكن أن تكون ممارسة الضغوط لاستخدام القوة ضد النظام أمراً مبرراً.