مر أسبوع على تدشين طيران «الاتحاد» رحلتها إلى «باكو» حيث تعلن امتدادها عبر طريق الحرير الذي رأيناه شعاراً بارزاً على الخطوط الجوية الأذربيجانية التي أعلنت توأمتها مع الإمارات أثناء حفل الافتتاح الرسمي. الباكورة الأولى لهذا الفعل في زمن تكامل الحضارات عبارة عن ثلاث رحلات أسبوعية بمعدل 136 مسافرا في كل رحلة، وبما يساوي 226 مسافرا في اليوم والليلة وبإجمالي 578 مسافرا أسبوعياً وهو بذلك يقترب من 30056 مسافرا في العام. هذا الحراك الإنساني الذي أرادت عاصمتنا أبوظبي إحداثه بخطوط ناعمة كالحرير في خدماتها المتميزة للحاق بطريق الحرير الذي في مستقبله القريب سوف يقطع حدود 65 دولة ابتداء من الصين وانتهاء بالمملكة المتحدة، حيث يتم من خلاله اختصار ألوف الكيلومترات والأميال، وقد رصدت الصين لهذا المشروع الحضاري لخدمة إنسانية البشر قرابة 60 مليار دولار كَدَفْعَة ودُفْعةٍ أولى لعبور زمن الاقتصاد والاجتماع والثقافة بعيداً عن حمولات السياسة التي من دأبها غالباً عرقلة طرق التقارب بين البشر. التقيت سفيرنا القبيسي في «باكو» التي كانت تسمى «بادكو» وباد بمعنى الرياح، أي مدينة الرياح كما وصفها لنا المرشد السياحي. ودار بيننا حديث جانبي قبل حفل التدشين الرسمي وسألني ماذا قلت عن هذه الزيارة، فذكرت له المشترك الأهم بين الإمارات وأذربيجان، فسألني عن كنهه فأجبته: التسامح والتعايش بين الأعراق المتعددة. فأضاف إليّ من واقع خبرته في هذا البلد بأن هناك أكثر من مشترك وقد لاحظته من خلال الواقع المعيشي في هذا المجتمع المتسامح. لمحنا محافظة «قيمية» في قلب الانفتاح، وهذه المعادلة الاجتماعية التي يراها البعض عصية على الفهم، شاهدتها هنا بين الناس كما عشتها في وطني الحبيب الإمارات. فالمحافظة في هذا المجتمع المسلم وجدتها في العلاقة بين الرجل والمرأة، فعرفت بأن المجتمع يرفض رؤية الرجل والمرأة يمشيان معاً دون رابط شرعي من خِطْبة أو عقد قران أو زواج كامل الأركان، أو مع ذات رحم من أخ أو غيره وهذا السلوك لم يحث عليه قانون أو دين أو عرف بل هو شيء نشأ عليه المجتمع منذ القدم ولم يتنازل عنه حتى في ظل الانفتاح الذي نراه رأي العين ونتلمس مظاهره. وأكمل السفير حديثه قائلاً: لقد ألمح الرئيس عالييف إلى رغبته في اقتباس نموذج إمارة دبي للمضي في مشروعه الحضاري، وسوف يتم الإعلان قريباً عن مشروع بناء منطقة حرة في أذربيجان تديرها إمارة دبي وفقاً لتجاربها الناجحة في إبداع المناطق الحرة. وأذربيجان من المناطق البكر سياحياً وقد مضت أبوظبي قرابة ثلاثة أعوام تفكر في أفضل طريقة لخوض هذه التجربة السياحية التي قد تكون أقرب إلى المغامرة الاقتصادية، إلا أن السفير في كلمته بالحفل ذكر أن أعداد الأذربيجانيين قبل سنوات إلى الدولة كانت في عداد العشرات لا أكثر، أما اليوم فقد وصل العدد إلى عشرات الآلاف من كلا الجانبين وهو أمر مشجع لبناء علاقات استراتيجية، فأذربيجان حقاً تريد أن تصبح توأماً لأبوظبي وطيران «الاتحاد» ستصبح رافعة اقتصادية معتبرة وسياحية مميزة في فترة قريبة. ومع قصر فترة الرحلة إلى «باكو» وهي يوم وليلة إلا أن البرنامج كان أثرى مما نتصور، ففي جولتنا بالمدينة والعاصمة «باكو» عَبرَ بنا المرشد السياحي على جزأي المدينة قديمها بداية من قصر الملك «أنوشيروان»، الذي قتل في معركة مع إسماعيل الصفوي بعد حرقه حتى لا يكون له أثر ولا قبر من أجل أطماع توسعية لا علاقة لها بالدين ولا بالطائفة، كما أجاب المرشد عندما وجهت له سؤالاً مباشراً حول دوافع هذه الحرب، علماً بأن المجتمع الأذربيجاني يتوزع مذهبياً وليس طائفياً إلى 55% من السُنة مقابل 45% من الشيعة. في العام 1997 حضرت مؤتمراً عن الطاقة في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، كان محوره «باكو» ومدى منافستها لمصادر الطاقة في الشرق الأوسط واحتمال الاعتماد عليها استراتيجياً في المستقبل البعيد. وبعد أن لمست قدماي أرض «باكو» منذ أيام، ورأيت «النيران» المشتعلة فيها، أدركت أنها تنام على النفط وتصحو على الغاز حقيقة كاملة وفاعلة وقد مضى ذاك الوقت على استقلالها عن الاتحاد السوفييتي ست سنوات سمان استثمرت تلك الثروة الثرية في الدفع بهذا البلد المسلم إلى حيث العالم المتقدم وبناء دولة نظيفة لم يطلها تلوث أدخنة النفط والغاز رغم أنها عائمة عليهما كالبحر والأنهار من حولها.