يرى «جوزيف كاليفانو»، وزير الصحة الأميركي السابق، أن واشنطن محطمة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، لكن هذا التحطيم قائم قبل مجيء ترامب للسلطة بفترة طويلة، وما من سبب يجعلنا نتوقع أن يصلح رحيله الأمر. وجاء كلام «كاليفانو»، الذي ساعد الرئيس «ليندون جونسون» في وضع خطة لبرامج «المجتمع العظيم» في ستينيات القرن الماضي، في كتاب جديد من تأليفه بعنوان «ديمقراطيتنا المعطوبة». وكتب كاليفانو يقول: «نواجه رئاسة قوية بشكل غير متناسب وكونجرس عاجزاً عن الحركة ومشتتاً ومحاكم مسيسة وولايات تابعة وسياسة عامة يشكلها المال». والمشكلات نفسها موجودة منذ عقد من الزمن وتتفاقم. ويجادل «كاليفانو» أن هذه التوجهات لن يتغير مسارها ما لم تقع أزمة أو صحوة سياسية قومية. فقد تنامى نفوذ الرئاسة لأن الكونجرس فقد مسؤوليات سلطاته في الحرب، ولا يشكو من تمدد سلطة الفرع التنفيذي إلا عندما يصبح الحزب الآخر في السلطة. ويؤكد كاليفانو في كتابه أن الكونجرس ليس الجزء الوحيد من الحكومة الذي شهد تقلصاً في نفوذه على يد رئاسة إمبراطورية، فداخل الفرع التنفيذي أيضاً، بحسب قول «كاليفانو»، يتمتع البيت الأبيض بكثير من السلطة، بينما تتمتع الوكالات بالقليل منها للغاية. وذكر «كاليفانو» أنه في عام 1960 كان هناك 50 موظفاً بدوام كامل في البيت الأبيض، واليوم هناك ألفا موظف. وفريق الموظفين زاد في مجلس الأمن القومي 20 مرة ليصل إلى 400 موظف، وعدد العاملين في اتصالات البيت الأبيض ومكاتب المستشارين تزايد بشكل كبير للغاية. وهذا يُقلص نفوذ الخبراء ويسيس صناعة القرار. وكتب كاليفانو يقول: «بعد أن أصبح فريق العمل في البيت الأبيض من صغار المديرين، فقد جنحوا إلى إغواء الرئيس بالإدارة على المستوى الصغير» على حساب التركيز على الأمور الأكبر. والكونجرس ليس هيئة تشريعية جادة تقريباً. وعدد المقاعد التنافسية في مجلس النواب تحول من مئات إلى عشرات. وهذا يقلص أي حافز للتوصل إلى أرضية مشتركة وهو أمر مطلوب للتوصل إلى تشريع فاعل. والإصلاحات في الكونجرس تزيد الطين بلة في الغالب. ولنأخذ مثال المخصصات المالية الصغيرة التي يراد بها تمويل مشروعات يؤيدها أعضاء أفراد. فقد أزال الكونجرس هذه المخصصات في عام 2011، وفي الوقت نفسه ألغى أداة أساسية للتوصل إلى حلول وسط وصفقات. وصرح كاليفانو في مقابلة عبر الهاتف: «ما كان لنا أن نقر برامج المجتمع العظيم دون المخصصات» المالية الصغيرة تلك. وينفق كثيرون من المشرعين وقتاً في جمع أموال للحملات الانتخابية أكبر من الوقت الذي ينفقونه في عملية التشريع. ووصل إجمالي الإنفاق على الانتخابات الاتحادية في عام 2016 إلى 6.5 مليار دولار بزيادة تبلغ ستة أمثال ما كانت عليه قبل 20 عاماً. وإصلاح هذا النظام المعطوب يتطلب أكثر من مجرد التمويل العام للحملات الانتخابية المصحوب بحوافز لإبقاء المساهمات صغيرة. وتم العمل بالتمويل العام للحملات الانتخابية الرئاسية عام 1976 وأجدى نفعاً لفترة من الوقت. ثم اصطنع السياسيون ثغرات وأعادت سلسلة من القرارات الحمقاء للمحكمة العليا فتح الباب للإنفاق غير المقيد والتبرعات السرية للحملات وتقليص التمويل العام. ويجب أن يطالب الكونجرس بكشف علني كامل لكل المساهمات. وبدلاً من هذا يفكر الكونجرس الحالي خلف الأبواب المغلقة في العكس؛ أي توسيع الفجوات القائمة في القيود المتبقية على تمويل الحملات الانتخابية. ويتهم كاليفانو مواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيون الكابلي بإذكاء الاستقطاب والانقسامات وتقديم القليل من التنوير. وإذا كان المرء يشكك في هذا فما عليه إلا أن يشاهد «فوكس نيوز» و«إم. إس. إن. بي. سي.» في ليلة ما وينتقل بين القناتين كل ساعة. فالأمر سيبدو كما لو أنه ينتقل بطبق فضائي بين أكوان مختلفة، ثم فليحاول المرء إقناع مشاهد عادي بأن هناك اختلافاً كبيراً بين صحفي شديد المهنية مثل أندريا ميتشل في قناة «إن. بي. سي»، وبين المسعى الأيديولوجي لقناة «إم. إس. إن. بي. سي»، وبين صحفي جاد مثل «بريت بايير» في «فوكس نيوز» وبين الصحفي اليميني الاستفزازي «شون هانتي» في الشبكة نفسها. إنني اتفق مع «كاليفانو» في معظم تحليله، لكنه رغم ذلك يقلل من مدى صعوبة تحقيق تغيرات إيجابية. ومن المؤكد أن بعض التحسينات يمكن تحقيقها. فقد أدى إجراء استفتاءات في مجموعة من الولايات إلى إنشاء لجان غير حزبية تعيد رسم الدوائر الانتخابية لمنع التلاعب بحدود الدوائر الانتخابية لحزب على حساب آخر. ويمكن الضغط على المشرعين لتقليص ميزانية موظفي البيت الأبيض. كما يرى كاليفانو أن هناك طريقة واقعية لخلق ناخبين أكثر إحاطة بالأمر وتنظيم تحرك مستدام من المواطنين يتجاوز الحزبية. لكنني أشك في هذا. لأن التغيير على هذا النطاق يتطلب حدثاً مفصلياً مثل الكساد العظيم أو حرب فيتنام أو فضائح ووترجيت. * كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»