الهند هي أكبر قوة في جنوب آسيا وبالتالي لها نفوذ كبير على الجوار في دول تمتد من نيبال في الشمال إلى جزر المالديف في الجنوب. لكن التطورات في الآونة الأخيرة في المنطقة تتحدى نطاق نفوذ الهند في الجوار حيث تعزز الصين بجرأة نطاق نفوذها في كل دولة في جنوب آسيا. والأزمة السياسية التي تتبدى في المالديف تبرز هذه المنافسة المتزايدة بين الهند والصين. والمالديف عبارة عن أرخبيل في المحيط الهندي يتألف مما يربو على 1190 جزيرة تشتهر بمنتجعاتها السياحية الراقية. ويعيش الأرخبيل حاليا أزمة بعد مأزق بين الرئيس «عبد الله يمين» والمحكمة العليا في البلاد. فقد أصدرت المحكمة قرارا في يناير الماضي للإفراج عن تسعة أعضاء من قيادات المعارضة. لكن الرئيس يمين عارض قرار المحكمة واعتقل رئيس المحكمة العليا القاضي عبد الله سعيد وفرض قوانين الطوارئ في البلاد. وفي غمرة الأزمة وجدت الهند نفسها طرفا صراحةً في التطورات السياسية في المالديف بعد أن طالبها زعيم المعارضة والرئيس السابق «محمد نشيد» علنا ودون مواربة بأن تتدخل وتعيد الأمور إلى نصابها في الأرخبيل. لكن حكومة الرئيس «يمين» حذرت الهند من اتخاذ أي إجراء قد يُفاقم الأزمة السياسية في البلاد. وجاء تحذير حكومة المالديف رداً على تعبير الهند عن «الفزع والقلق العميقين» من إعلان قوانين الطوارئ في البلاد. ورغم أن حكومة المالديف اعترفت بأن البلاد تمر بـ «واحدة من أصعب المراحل في تاريخ البلاد»، لكنها طالبت الهند بأن «تمتنع عن أي عمل أو تدخل قد يعرقل حل الوضع الذي تواجهه البلاد». وأي تدخل عسكري من الهند في المالديف قد لا يكون الأول من نوعه. فقد أرسلت الهند قوات إلى المالديف عام 1988 للتصدي لانقلاب عسكري مدعوم من مرتزقة أجانب. وأرسل راجيف غاندي رئيس الوزراء الهندي آنذاك قوات بعد أن طالبه مأمون عبد القيوم الرئيس المالديفي في ذاك الوقت بالتدخل. لكن من غير المرجح إلى حد كبير هذه المرة أن تتدخل الهند عسكرياً، لأن المعادلة تغيرت بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية. فقد أقام الرئيس «يمين» علاقات مع الصين منذ أن افتتحت بكين سفارة في العاصمة «ماليه» عام 2011. ووقعت المالديف اتفاق للتجارة الحرة مع الصين بعد أن وعدت بالتوقيع على أول اتفاق من هذا النوع مع الهند. وبدأت مخاوف الهند تتصاعد بعد أن أغلقت ثلاث سفن حربية صينية ميناء «ماليه» عام 2016. ورفضت المالديف دعوة الهند المشاركة في مناورات حربية تستغرق ثمانية أيام، وتجرى كل عامين في فبراير، في تجاهل وعدم مبالاة من الهند. لكن التنافس الهندي- الصيني ليس مقتصراً على المالديف. فحتى دول الجوار الصغيرة التي لم يكن لديها خيار من قبل إلا قبول هيمنة الهند، تحاول حالياً أن تحتاط لنفسها. كما أن تعزيز العلاقات مع الصين يعطي هذه الدول الصغيرة المجاورة نفوذاً أكبر على الهند، وهو ما تسعى إليه هذه الدول الصغيرة في بعض الحالات. وعلى سبيل المثال، تواجه الهند مشكلات مشابهة في نيبال التي عزز فيها صعود حزبين شيوعيين كبيرين العداء للهند. وتذكي بعض الأحزاب النيبالية من فترة طويلة المشاعر المعادية للهند، واتُهمت هذه الأخيرة بأنها تعامل نيبال بطريقة الوصي عليها للحصول على مكاسب سياسية. وفي عام 2015، اكتسبت الجماعات المناهضة للهند شجاعة بعد أن فرضت نيودلهي، بسبب مشكلات داخلية مع عرقية «مادهيسي» الهندية الأصل، حصاراً اقتصادياً خنق تدفق إمدادات السلع الأساسية إلى نيبال. وهذا الحصار الذي لم تتبدد بعد ذكرياته جعل نيبال تعزز علاقاتها مع الصين. وانضمت نيبال أيضاً إلى مبادرة «حزام واحد وطريق واحد» الصينية رغم ما يؤدي إليه هذا من توتر العلاقات مع الهند. ويصرح «كيه. بي. عولي» رئيس الوزراء النيبالي الجديد دون مواربة أنه يريد تعزيز العلاقات مع الصين لاستكشاف المزيد من الخيارات. ويدعو «عولي»، الذي يعد من أنصار الصين، إلى إعادة النظر في كل الاشتراطات الخاصة في العلاقات الهندية- النيبالية التي تتضمن الممارسة الراسخة منذ فترة طويلة بأن يخدم جنود نيباليون في القوات المسلحة الهندية. ويحتمل أن يتسبب هذا في مشكلات للهند. ومشكلات الهند مع دول الجوار لا تتوقف عند نيبال والمالديف. فالهند تواجه أيضاً مشكلة في علاقاتها مع سريلانكا التي عززت تعاونها مع الصين. فقد قامت سيريلانكا رسمياً بتأجير ميناء هامبانتوتا الاستراتيجي إلى الصين لمدة 99 عاماً في ديسمبر العام الماضي بعد أن عجزت عن سداد ديونها للشركات الصينية. وضخت بكين 15 مليار دولار في مشروعات في سريلانكا التي تزايد اعتمادها على بكين. وفي هذا المناخ هناك شيء واحد واضح هو أن الهند تنتظرها أوقات مضطربة في المستقبل. فقد مالت المالديف بالفعل إلى فلك النفوذ الصيني، ونيبال تسير في هذا الطريق، واقتصاد سريلانكا يتكامل عن كثب مع الصين. وكل هذا يحدث بينما تكتفي الهند بإلقاء الضوء على الروابط الحضارية التي تربطها بدول الجوار، لكن مجرد التركيز على الروابط الحضارية لن يثمر الكثير. د.ذِكْر الرحمن* *رئيس مركز الدراسات الإسلامية -نيودلهي