استطاع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي «الموساد» منذ تكوّنه لعب دور كبير في ممارسة كثير من الجرائم في فلسطين، علاوة على محاولاته إشعال نار التوتر والاضطراب في المنطقة العربية، حيث بدأ نشاطه، واستمر عليه، بافتعال المؤامرات والدسائس والاغتيالات وعمليات التخريب والتفجير بوساطة شبكة عملاء تنتشر في أنحاء كثيرة من العالم.. ثم تحول ليصبح اليد التي تضرب بها إسرائيل في كل مكان، وذلك وفق نظرية «ناحوم جولدمان» رئيس الرابطة اليهودية العالمية، الذي قال في عام 1968 إنه «إذا أردنا لإسرائيل البقاء والاستقرار في الشرق الأوسط، فعلينا أن نعمل على تفتيت الشعوب المحيطة بها إلى أقليات متناثرة، وجعلها في اضطراب دائم حتى تلعب إسرائيل دوراً طليعياً». واستطاع «الموساد» إنفاذ تلك النظرية وتحويلها إلى عمليات إرهابية في المنطقة، وذلك بعد أن أدركت إسرائيل أنها غير قادرة على التمدد كمساحة جغرافية وثقافية واجتماعية، ففضلت التمدد كسلطة أمنية بوساطة إرهاب «الموساد». ومن ذلك جاء كتاب «الموساد.. العمليات الكبرى»، لمؤلفَيه البروفيسور والنائب السابق في الكنيست الإسرائيلي «ميخائيل يارزوهر»، والمدير العام السابق لتلفزيون وراديو إسرائيل «نسيم مشعل»، ليكشف عن الدور الذي يقوم به «الموساد» في مواجهة الدول العربية. ويكشف الكتاب حقيقة «الموساد» ودور إسرائيل وإيران في مواجهة الدول العربية من خلاله، والتعاون القائم بين الجانبين لخدمة المشروع النووي الإيراني، حتى أن «وايزمان»، وزير الحرب الإسرائيلي السابق، دعا الجنرال الإيراني «حسان طوفينيان»، المسؤول عن مجال التسلح في إيران، إلى إسرائيل وأقنعه بمقدرتها على تزويد بلاده بصواريخ أرض -أرض محسَّنة، حيث تم التوقيع على اتفاقية لتطوير صواريخ من ذلك النوع لصالح إيران. ولم تتوقف هذه العلاقة بعد سقوط نظام الشاه ومجيء الملالي بقيادة الخميني، بل تحول التعاون النووي بينهما إلى تعاون سري بغض النظر عن التصريحات المعلنة هنا أو هناك، إذ أقامت إيران مشروعها النووي تحت سمع وبصر الأميركيين والإسرائيليين. وعلى العكس من ذلك، كان «الموساد» أداةً ضد المشاريع النووية العربية، حيث أشار المؤلفان في كتابهما إلى الدور الاستراتيجي والأمني الذي كان يلعبه جهاز الاستخبارات الإسرائيلي في التصدي لامتلاك العرب سلاحاً نووياً، حيث تم تجنيد طاقات الجهاز لإجهاض أي مشروع نووي عربي والعمل على عرقلته، كما حدث بالفعل مع مصر والعراق وسوريا، إما عبر تخريب المشروع، كما فعلت إسرائيل عام 1981 عندما قامت طائراتها الحربية بتدمير مفاعل تموز النووي العراقي، أو من خلال اغتيال علماء الفيزياء والطاقة النووية العرب، كما فعل «الموساد» بالفعل مع كل من مصطفى مشرفة، وسميرة موسى، ويحيى المشد، وحسن المصياح، وسعيد بدير، وأمين مسعود.. وغيرهم كثير. بل إن «الموساد» قام في بداية الستينيات بتصفية مجموعة علماء ألمان استعانت بهم مصر لدعم مشروعها النووي في ذلك الوقت. جهاز «الموساد» الإسرائيلي الذي أقامته المجموعات الصهيونية منذ احتلالها فلسطين، هو إحدى الدعائم والقواعد الرئيسية لوجود إسرائيل في المنطقة العربية، وقد قام بدور معروف في اغتيال كثير من القيادات والكفاءات العلمية العربية، وسوف يستمر على هذا النهج، سواء أكان ذلك في فترة الحرب أم في فترة السلم.