«شلومو فيلبر» هو أحد مئات التلاميذ المحبين والمخلصين لنتنياهو الذين يكونون زعامته السياسية والروحية. لقد اكتشفهم وقرّبهم إليه وجعل منهم كبار رجال الحكم وانعقد بينه وبينهم ميثاق الطاعة العمياء والثقة المطلقة فيه كزعيم لإسرائيل أرسلته العناية الإلهية ليستكمل حلم «إسرائيل الكبرى». لقد أسس نتنياهو زعامته الروحية هذه منذ التسعينيات في أجواء أيديولوجية ساخنة، حيث قاد التيار اليمينى بجناحيه الديني والعلماني لاعتراض طريق رئيس الوزراء وزعيم حزب «العمل» اليساري آنذاك إسحق رابين الذي كان قد وقع اتفاقية أوسلو وسلَّم السلطة الفلسطينية بعض مدن الضفة وغزة. اعتبر نتنياهو أن هذه الاتفاقية تعني تسليم قلب أرض إسرائيل إلى أعدائها وتمكن من خلال قيادته لحزب «ليكود» المعارض آنذاك أن يحشد قوى اليمين المؤمنة بأن الضفة الغربية جزء من إسرائيل، وأن يثير حملة سياسية ضد رابين، صاحبَها هوسُ المتدينين الذي انتهى باغتيال رابين وصعود نتنياهو للحكم عام 1996. شغل «فيلبر» الذي يمثل النموذج لتلاميذ نتنياهو وحوارييه مناصب عدة في حكومات نتنياهو باختيار من نتنياهو نفسه، منها منصب مدير مكتبه في فترة مبكرة، ومنصب مدير عام وزارة الاتصالات منذ فترة قصيرة. كان نتنياهو قد احتفظ بمنصب وزير الاتصالات لنفسه، وتبين أخيراً من خلال قضية الفساد موضع التحقيق مع فيبلر أن هدف نتنياهو من ذلك كان إحكام السيطرة على أجهزة الإعلام الخاصة وتوجيهها كما يريد من خلال تقديم تسهيلات غير قانونية لها. لقد بينت تحقيقات القضية أن نتنياهو حصل من رجل أعمال يملك موقعاً إخبارياً، هو موقع «والا»، على تعهد بأن يقدم للقراء تغطيات إعلامية إيجابية عن نتنياهو وزوجته سارة مقابل تسهيلات يوفرها له نتنياهو باعتباره وزيراً للاتصالات. فيلبر وقع اتفاقية منذ أيام مع الشرطة ينقذ بها جلده من تهم الانحراف بوظيفته كمدير عام لوزارة الاتصالات وتحوله من متهم في قضية الفساد إلى شاهد ملك على فساد نتنياهو في وزارة الاتصالات، وهو اتفاق أقر فيه فيلبر بأن جميع المخالفات التي قام بها في الوزارة كانت مجرد تنفيذ لأوامر مباشرة أصدرها له نتنياهو. ومن المهم أن نلاحظ ما قاله فيلبر بعد التوقيع وعيونه ملأى بالدموع، حيث قال: «إنني أؤمن بأن نتنياهو هو هدية الرب لشعب إسرائيل، لكن لم يكن أمامي مفر من توقيع الاتفاق مع الشرطة». هذه العبارة على لسان فيلبر تبين المكانة التي يحظى بها نتنياهو بين حوارييه والذين يطلقون عليه لقب ملك إسرائيل، وهي في الوقت نفسه تجسد موقفين في الساحة الإسرائيلية من قضايا الفساد العديدة المنسوبة لنتنياهو، والتي تحقق فيها الشرطة. الموقف الأول يتبناه أنصار «إسرائيل الكبرى» من معسكر اليمين، وهم يرون أن الغاية الأيديولوجية التي يعمل نتنياهو من أجلها تبرر الوسائل التي يستخدمها بل وتغفر له مخالفاته القانونية. أما الموقف الثاني فيتبناه أنصار مبدأ سيادة القانون وهو موقف يقوم على الفصل بين معتقدات نتنياهو الأيديولوجية وبين مخالفاته للقانون، وعلى ضرورة تطبيق القانون عليه، وبالتالي يطالب أصحاب هذا الموقف باستكمال التحقيقات في قضايا الفساد المنسوبة إلى نتنياهو وتقديمه للمحاكمة كما سبق وحدث مع سلفه إيهود أولمرت الذي انتهي به فساده إلى السجن. نعود إلى نموذج الحواري فيبلبر، حيث كان في عام 1996 شاباً صغيراً يعمل في حملة حزب «ليكود» الانتخابية عندما رشح نتنياهو نفسه لأول مرة لرئاسة الوزراء. آنذاك أعجب نتنياهو بالشاب فقربه وأعطاه مهام أكبر في الحملة الانتخابية ثم عيّنه في وظائف مهمة إلى أن واجه تهم الفساد الحالية.