الدول تبني علاقاتها على المشترك والتعاون لاكتشاف الآخر، حتى في التفاصيل من أجل الاستدامة والمصالح التي لا يمكن الاستغناء عنها في زمن ليس للمسافات ولا للأحجام ولا الأعداد قيمة مضافة، بل القيمة الحقيقية فيما تضيفه الدول عبر ارتباطاتها المستقبلية. فعلى طريق افتتاح أبوظبي خطاً ملاحياً جوياً في باكو أذربيجان لطيران الاتحاد الناقل الوطني للإمارة والدولة في ذات الوقت، فإنه من الضرورة أن نذكر هنا في عجالة ما اكتشفنا من المشتركات التي تعطي للدولتين الكثير من فرص الترقي في سلم الحضارة والإنسانية. من وجهة نظري، أهم مشترك ينبغي التركيز عليه والدوران حوله، هو التنوع الثقافي والعرقي، وهو مربط الفرس بالثراء الحقيقي للدول التي تفضل لعب أدوار عالمية عن طريق استخدام قوتها الناعمة، بعيداً عن القواعد الجامدة لبناء علاقات صحية، سياسية أو سياحية أو ثقافية. الإمارات منذ نشأتها هي أرض التنوع الثقافي وفي أرضها عاشت معظم الحضارات الإنسانية، ومن يطلع على آثارها التي لا زالت قيد الاكتشاف الحديث يدرك بأن شعار إكسبو 2020 الذي اكتشفه «بو راشد»، رعاه الله، تم استيحاؤه من مشغولات مصنع أثري للذهب في العام 2002، بمنطقة المرموم وأطلق عليه اسم «صاروج الحديد»، وهذا الشعار عبارة عن تجميع لأنماط من نقوش ومشغولات ذهبية أبدعتها حضارة إماراتية قبل 4000 عام، ونسجت خيوط تواصلها مع حضارة دلمون والفراعنة والرافدين إلى حضارة ما وراء النهرين والسند والهند. وقد صرح سموه بأن «شعار إكسبو الجديد، هو رسالة لشعبنا بالعمق التاريخي لبلادنا، ورسالة للعالم بأننا كنا وسنبقى أهل تواصل ومحطة لالتقاء الحضارات وعاصمة للإبداع». وجاء اليوم لكي يلتقي على هذه الأرض المعطاءة حضارات وثقافات قرابة 230 جنسية وعرقا ودينا وفكرا في بوتقة صنعتها الإمارات برؤية واضحة من المؤسس الأول زايد، رحمه الله، عندما كان همه الأول الإنسان قبل المكان. وهذه الجنسيات ذات المشارب والثقافات المتنوعة ثراء وعطاء تشكل امتداداً طبيعياً لكل المجتمعات البشرية، وأيضاً تعتبر مظلة أكبر من مظلة الأمم المتحدة ذاتها التي تحوي فقط 193 عضواً ذات سيادة، فهذه المنظمة احتوت هؤلاء بالقوانين، ونحن قبلنا هؤلاء الأكثر بنواميسنا الإنسانية. هذا الامتداد الإنساني نجده في أذربيجان المعاصرة من 1991، وحتى عهد القياصرة بما قبل ذلك التاريخ بقرون. فهي وإنْ كانت بنسبة 90.6% من الآذريين، إلا أن ثنايا أعراق متعددة ومتنوعة تمثل لوحة فسيفسائية، وإنْ كانت مختلفة في الألوان، لكنها متناسقة في بنيان أذربيجان، وهو سر البقاء، وعنصر القوة والنماء. وهذه اللوحة الثرية بالتنوع العرقي، تتكوَّن من الليزيغيين، الروس، الأرمن، التاليش، الآفار، الأتراك، التتار، الأوكرانيين، التساخور، الجورجيين، الأكراد، التات، الأودينيين، حتى الوصول إلى العرق اليهودي، وأعراق أخرى يصعب على الحصر، وكل هؤلاء يمثلون النسبة المتبقية من إجمالي السكان، وهي نسبة 1.4% وبتعداد سكاني يقارب 9.165.000 حسب توقعات عام 2011، وبمساحة قدرها، 86.600 كم 2، ومن مقاربات المصادفات غير المتوقعة، ولكنه وقعت قرابة وليست غرابة في عدد سكان الإمارات الذي بلغ نحو 9.27 في العام 2016، وبمساحة قدرها 83.600 كم 2. ولكي تمارس هذه العرقيات في المجتمع الأذربيجاني حراكها، فإن الحكومة الأذربيجانية أعطت لكل تلك الأعراق المتنوعة مساحتها في الحركة الثقافية والإثراء الإنساني للدولة ككل مساهمة منها للتعددية الإيجابية. حيث توجد فيها العشرات من مراكز الأقليات العرقية داخل أذربيجان على سبيل المثال لا الحصر، المجتمع الثقافي الألماني «كارل ماوس»، المركز الثقافي السلافي، المركز الثقافي الكردي، رابطة تاليش الدولية، المركز الليزغني الوطني «سمور»، المجتمع الأذربيجاني التتري، ومجتمع تتار القرم، وغيرها من المؤسسات التي تمثل كافة الشرائح في داخل البوتقة الأذربيجانية. فالإمارات لا تختلف عن أذربيجان في دعم هذا الحراك الاجتماعي الثقافي للتنوع الإنساني من الداخل، فلكل جالية جمعياتها وأنديتها ومراكزها الثقافية، وكذلك الرياضية التي تمارس من خلالها خصوصياتها النوعية تحت مظلة القانون العام في المجتمع الذي لا يفرق بين هؤلاء ولا يضع حواجز مفتعلة من جنس أو عرق أو دين وطائفة، ولقد توجت الإمارات هذه الثروة من التنوع في مجتمعها بوزارة سيادية تشرع للسماحة والاعتدال والوسطية بين جميع مكونات مجتمع الإمارات، وهذه القوة الناعمة هي التي تدير هذا المشترك من الإمارات إلى أذربيجان عبر خط الطيران للحاق سواء بطريق الحرير.