لا حاجةَ لحرب كارثية
رداً على التخوفات بشأن تخطيطها لـ«ضربة» ضد كوريا الشمالية، قدمت إدارة ترامب تطميناً يقول من خلاله مسؤوليها، إن أي هجوم على نظام «كيم جونغ أون» لن يكون محدوداً، وإنما واسع وكبير.
وهذا بالطبع لا يبعث على الاطمئنان، ذلك أن هجوماً ضخماً على كوريا الشمالية سيكون عملاً غبياً جداً.
البيت الأبيض يصف التقارير التي تفيد بأن الرئيس ترامب يدرس إمكانية خيار عسكري صغير النطاق ضد كوريا الشمالية بالمبالغ فيها.
والإدارة تدرك أنه لا توجد أي ضمانة على أن كيم لن يرد بكامل قوته العسكرية، وهو سيناريو كارثي، لكن داخل كل نفي هناك تعهد مستمر بأن ترامب لن يقبل حصول كوريا الشمالية على قدرة ضرب الولايات المتحدة بصاروخ باليستي يحمل رأساً نووياً، وهو خط أحمر واضح.
وهذا يعني أن الخيار العسكري الذي يبحثه ترامب في المقام الأول هو خيار ضخم ومعقد ومدمر.
وفي هذا السياق، قال السيناتور جيمس ريش (الجمهوري عن آيداهو) في مؤتمر ميونيخ، إنه قيل له بأن النزاع سيكون قصيراً، وإنه سيتسبب في «إصابات ضخمة لم يسبق للكوكب أن رأى مثلها».
ويوم الجمعة، حذر ترامب نفسُه من أنه إذا لم تستسلم كوريا الشمالية تحت العقوبات، فسينتقل إلى «المرحلة الثانية». و«المرحلة الثانية قد تكون شيئاً قاسياً جداً، شيئاً مؤسفاً بالنسبة للعالم»، يقول ترامب.
والواقع أن لا أحد يعرف حقاً ما سيفعله ترامب عندما تخبره الأجهزة الاستخباراتية بأن كيم بات باستطاعته ضرب واشنطن.
جون بولتون، السفير الأميركي السابق في الأمم المتحدة، والذي يقال إن ترامب يبحث إمكانية تعيينه خلفاً لإتش.آر.ماكماستر، مستشاراً للأمن القومي، يؤيد حرباً وقائية من خلال ضربة ضخمة حال فشل العقوبات.
فخلال ظهور له الأسبوع الماضي بـ«كلية دانييل مورغان للأمن القومي»، قال إنه سيتعين على الولايات المتحدة القيام بتدمير كل المواقع النووية ومواقع الصواريخ الباليستية الكورية الشمالية المعروفة، وقواعد الغواصات، والمدفعية، والمنشآت الصاروخية.
وبسرعة سينهار نظام كيم كما يتوقع بولتون، ما يتطلب نشر جنود أميركيين وكوريين جنوبيين داخل كوريا الشمالية لتأمين المواقع النووية.
على أنه يمكن منح الصين فرصة المشاركة وحماية مصالحها وتقليل التأثيرات السلبية عليها، كما يقول.
واعترف بولتون بأن الجانب الأميركي لا يستطيع أن يكون واثقاً بشأن الأماكن التي يخبئ فيها كيم كل أسلحته، وبأنه ستكون ثمة تداعيات إنسانية ضخمة.
لكن حساباته وجدت أن مخاطر تهديد كيم للعالم بأسلحة نووية أو بيعها لآخرين تفوق التكاليف الممكنة، غير أن حساباً دقيقاً للتكاليف ينبغي أن يشمل أيضاً احتمال تحطم التحالف الأميركي الكوري الجنوبي، إلى جانب الاستقرار الإقليمي الذي أمضت الولايات المتحدة 70 عاماً في بنائه، وإلى ذلك، فإن الاقتصاد العالمي سيصاب بالاضطراب.
وستعلق أميركا في وضع صعب، حيث ستكون مطالَبة بإنفاق مليارات الدولارات في إعادة الإعمار ومساعدة اللاجئين.
إن قرار ترامب المقبل ليس اختياراً ثنائياً بين الحرب وقبول كوريا شمالية نووية.
بل إن الخيار الأول ينبغي أن يكون اتباع نموذج الحكومة الكورية الجنوبية أولاً لاستنفاد كل السبل الدبلوماسية.
وفي حال فشل ذلك، يمكن اللجوء إلى الردع والاحتواء والتصعيد.
وخلاصة القول، إن الولايات المتحدة ينبغي أن تواصل التشديد على ضرورة تخلي كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية، لكنها تحتاج إلى استراتيجية طويلة المدى من أجل تحقيق ذلك، وليس إلى حرب كارثية ومتهورة.
جوش روجن*
*محلل سياسي أميركي
*ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»