السرطان والأطعمة فائقة التصنيع
لطالما كانت العلاقة بين نوعية وكمية الغذاء وبين احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية، أو المساعدة على الشفاء منها، علاقة معقدة وشائكة، تختلف فيها الآراء، وتتضارب بينها نتائج الدراسات والأبحاث العلمية. نتائج آخر تلك الدراسات، نشرت الأسبوع الماضي في العدد الأخير من إحدى الدوريات الطبية المرموقة (British Medical Journal)، وأجراها علماء جامعة السوربون بمدينة باريس على 105 آلاف شخص، معظمهم من نساء في متوسط العمر، تمت متابعتهن لمدة خمس سنوات. وخلصت هذه الدراسة إلى أن تناول غذاء يحتوي على أطعمة مصنعة، وبشكل أخص أطعمة فائقة التصنيع، يزيد من احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية، وبالتحديد تسببت زيادة بنسبة 10 في المئة من الأطعمة فائق التصنيع، في زيادة مماثلة بنسبة 12 في المئة في تشخيص الإصابة بالسرطان.
ومن بين الأمثلة التي اعتبرتها الدراسة أطعمة (فائقة التصنيع)، نذكر: الخبز المغلف الذي يصنع بكميات هائلة، والأطعمة المغلفة المملحة أو المتبلة مثل «الشيبس»، وألواح الشكولاتة والحلويات، والمشروبات الغازية والمشروبات المحلاة، و«نجتس» الدجاج والسمك واللحم المفروم، و«النودلز»، وأنواع الشوربة جاهزة التحضير التي تباع في أكياس صغيرة، والوجبات المجمدة الجاهزة، وجميع أنواع الأطعمة المكونة في الغالب من سكريات، أو زيوت، أو دهون.
وبناء على أن نتائج هذه الدراسة لا زالت في حاجة إلى تأكيد من قبل دراسات تشمل عدداً أكبر من الأشخاص، وتستمر لفترة أطول من المتابعة، كما يتطلب الأمر فهم أكثر للصلة والعلاقة بين الأطعمة المصنعة وفائقة التصنيع وبين الأمراض السرطانية، إلا أن هذا لا يمنع من أن الدراسة السابقة تدفع باتجاه ترسيخ الاعتقاد السائد بأن التزايد الواضح في معدلات وكميات الاستهلاك الفردي للأطعمة المصنعة حول العالم، سيؤدي بدوره إلى زيادة مماثلة في العبء المرضي الدولي للأمراض السرطانية خلال العقود القليلة المقبلة.
فعلى سبيل المثال، أعلنت منظمة الصحة العالمية في أكتوبر 2015، من خلال الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، بأن اللحوم المصنعة يمكن أن تصنف كمواد مسرطنة -مواد مسببة للسرطان- كما يحتمل أن تكون اللحوم الحمراء في شكلها الطبيعي هي الأخرى مسرطنة، وإن كان هذا الاحتمال الأخير لا يوجد دليل كاف لتأكيده. ومن الأمثلة على اللحوم المصنعة الشائعة: «الهوت دوج»، والنقانق أو السجق، والبولوبيف، والسلامي، واللحوم المعلبة، والخلطات التي تحتوي على لحوم.
ويُعرَف اللحم المصنع على أنه اللحم الذي دخل عليه تعديل، أو تغيير، أو تبديل، من خلال: التمليح، أو التخمير، أو التعتيق، أو التدخين، أو إضافة مواد حافظة، أو أي من الأساليب التي تتبع لتغيير وزيادة النكهة. ما بخصوص علاقة هذه الأنواع من اللحوم بالسرطان، ورغم أنها علاقة أصبحت ثابتة، فيجب أن نضعها هنا في حجمها الحقيقي. ففي الوقت الذي نجد التدخين مسؤولاً عن 19 في المئة من جميع حالات الإصابة بالسرطان، نجد أن مسؤولية اللحوم المصنعة تنخفض إلى 3 في المئة فقط. بمعنى أن التدخين وحده يتسبب في عدد حالات إصابة بالسرطان، تزيد على ستة أضعاف ما تتسبب فيه اللحوم المصنعة.
وتعتبر السمنة، الناتجة في الغالب عن نظام غذائي غير صحي تُشكّل الأطعمة المصنعة نسبة كبيرة بين مكوناته، رابطاً واضحاً في العلاقة بين هذه النوعية من الأطعمة وبين الأمراض السرطانية. فعلى سبيل المثال، يرد ثلث الوفيات الناتجة عن الأمراض السرطانية إلى السمنة وزيادة الوزن، أو قلة النشاط البدني، أو نوعية وكمية الغذاء. ففي الولايات المتحدة مثلاً، ترتبط زيادة الوزن بالإصابة بالعديد من أنواع السرطان، وتوجه إليها أصابع الاتهام، خلف ما يقرب من 20 في المئة من الوفيات الناتجة عنه. وعلى المنوال نفسه، أظهرت دراسة بريطانية سابقة، شملت 5 ملايين شخص، أن ارتفاع مؤشر كتلة الجسد، يرتبط بشكل مباشر بعشرة أنواع مختلفة من السرطان، ويعتبر مسؤولاً عن نحو 12 ألف حالة إصابة سنوياً في بريطانيا وحدها. وبناء على أن زيادة الوزن والسمنة غالباً ما ينتجان من غذاء غير صحي، تشكل الأطعمة المصنعة جزءاً كبيراً من مكوناته، يمكن إدراك طبيعة العلاقة غير المباشرة بين هذه النوعية من الأطعمة وبين الأمراض السرطانية.