يحتفل الناس في يوم 14 فبراير من كل عام بالفالانتين (عيد الحب)، بينما يعيش العالم العربي حالة الحرب؛ وفي عالم الكلمة الفرق بسيط بين حب وحرب، أما في عالم الواقع فالأول حياة والثاني موت. وبسبب غياب المرأة عن «الربيع العربي»، فقد تحول إلى شتاء وأوحال وبرك دماء وموت. لقد ترددت في كتابة مقالتي عن الحب، وأنا أرى بلدي سوريا وقد تحول إلى جثة يجري تقطيعها بين القوزاق الروس والفرس والعجم وأحفاد ريتشارد قلب الأسد. فهل من نور في الظلمات؟ فعلاً يجب استحضار الإنسانية في ذواتنا ونحن نشهد موت الإنسان. لقد سُئِلت امرأةٌ عجوز عن الحب وما معناه، فأجابت: أول مرة سمعت هذه الكلمة كنتُ صغيرةً، وكان من والدي الذي قبلني وقال إني أحبك؛ فقلت الحب هو الحنان والأمان والحضن الدافئ. وعندما بلغت سن الرشد وجدت رسالة من شاب فيها كلمة «أحبك»؛ فعرفت أن هناك من يريد مشاركتي الحياة، وأدركت أن الحب عطاء ومشاركة، والكراهية ارتداد على الذات، وتدمير لها قبل الآخر. وعندما تزوجت كانت أول كلمة قالها لي زوجي: أحبك؛ فعرفت أنها المودة الخالصة من قلب شارك الآخر حياته. وحين غبت عنه قليلاً أرسل لي يخاطبني بكلمة «أحبك»؛ فعرفت أن الحب شوق وافتقاد. وحين ولدت بأول طفلي، جاء زوجي، وكنت متعبة على السرير، فأمسك برأسي وقبلني وقال: أحبك؟ فعرفت أن الحب امتنان وعطف. وحين تقدمت بنا السنون وتقوست الظهر وشاب الشعر التفت إلي زوجي عصر يوم فقال: كم أحبك؟ وحين بدأنا نمشي مستندين على العكاكيز، وكل منا يسند الآخر، قال لي والدمعة في عينه: هل تعلمين كم أحبك؟ فعرفت أن الحب وفاء وصدق. هناك من تزوجا فأحبا فالتهبا بعاصفة عشق ليس لها قرار. هل الزواج هو إنجاب الأطفال وبناء عائلة؟ والجواب أيضاً إنها نصف الحقيقة، فهناك العديد من الأزواج من دون أطفال، سواء بانعدام القدرة أو الرغبة بعدم الإنجاب، وهناك المطلقات مع كومة أطفال. فما هو الحب يا ترى؟ إن الزواج هو مزيج من العواطف والكيمياء والجنس والإنجاب، وقد اختصره القرآن الكريم بكلمات: سكينة ومودة ورحمة ولباس وحمل وإنجاب. واعتبره آية مثل دورة القمر ونبات الزرع والرياح المرسلات. ولأن المرأة هي من تذكرنا بالحب، فلأنها تحمل الثقافة والجنين، فتربي الطفل وترضعه الثقافة، وتنقل له اللغة والمفاهيم، فيتحول إلى كائن اجتماعي، ولولا المرأة لبقي الإنسان أقرب للشمبانزي والغوريلات. المرأة هي أم الحضارة ولولاها لما انبثقت الحضارة، وهو كشف تعرف عليه علماء الأنثروبولوجيا. المرأة هي سيدة الجمال الباهر، واللطف والأنس، والشخصية المؤثرة، والثقافة باعتدال وتسامح. سحر المرأة جذب كبار السن، ليبنوا بمن هن أصغر سناً؛ فـ«بيكاسو» سيد اللوحة وأبو السيريالية تزوج من أربع فاتنات كانت الأخيرة منهن في العشرينيات. و«شليمان» الكهل أبو الاكتشافات، لم يشأ أن يضع كنز «بريام» من أنقاض طروادة، إلا على صدر حبيبته الصغيرة اليونانية ذات العشرين ربيعاً. و«سنان» أبو العمران بنى ما بنى جسور الإمبراطورية العثمانية، تزوج في نهاية حياته بشابة صغيرة وهو في الثمانين؛ فأنجبت له غلاماً زكياً. ونابليون وهو في جزيرة المنفى «سانت هيلانة»، آنسته خليلة حملت منه بطفلة، ولدت له في باريس كانت نابليونة. و«سيشرون» أبو الخطابة والجمهورية، أنهى حياته في حضن شابة صغيرة وهو في الستينيات، فمنحته أجمل ساعات حياته في دنيا طوقتها الحروب الأهلية والمؤامرات والدماء تجري كالأنهار.