تُبرز سلسلة الهجمات التي استهدفت كابول وأفغانستان الفشلَ الأميركي، بعد ستة عشر عاماً على بداية التدخل الأميركي في هذا البلد. ذلك أن الحكومة التي توصف بالمركزية، لا تسيطر على البلاد، فيما تسيطر «طالبان» على نصف الأراضي تقريباً، وتستطيع شن هجمات على كابول، مثلما أظهرت ذلك مؤخراً. والواقع أن الأميركيين كانوا متكيفين تماماً مع «طالبان» من 1996 إلى 2001. ولم يكن طابع الحركة الاستبدادي والشمولي يزعج القوى الأجنبية قبل أن يرتكب تنظيم «القاعدة»، الذي كانت توفر له الحركة المأوى، هجمات 11 سبتمبر 2001 المأساوية. في ذلك العام، قام الأميركيون بتدخل عسكري مشروع تحت مظلة الأمم المتحدة، إذ كانوا في حالة دفاع عن النفس. لكن في 2003، قرر الرئيس جورج دبليو. بوش إعطاء الأولوية لحرب العراق، رغم أن الأميركيين في أفغانستان لم يكونوا بصدد الفوز في الحرب ولا بصدد خسارتها. وضعٌ غير قابل للفهم للوهلة الأولى، بين أول جيش في العالم وحركة كانت أسلحتها بدائية. وفي الأثناء، أدى الوجود العسكري الأميركي إلى إضفاء الشرعية على «طالبان» كقوة تقاوم احتلالاً أجنبياً. إن مشكلة الأميركيين يمكن تلخيصها، كالتالي: عندما تكون لدى المرء مطرقة كبيرة جداً، فإنه يميل إلى رؤية المسامير في كل مكان. ونظراً لأن الأميركيين يمتلكون قوة عسكرية كبيرة جداً، فإنهم لا يرون حلولاً أخرى للنزاعات غير الحل العسكري. والحال أن تحرك الأميركيين في أفغانستان محدود ومقيد؛ فنهم يعيشون في ثكناتهم ولا يخرجون منها إلا مسلحين تسليحاً ثقيلاً، ولا يجرون أي اتصالات مع السكان المحليين. وإلى ذلك، فإن الضربات التي تنفذها طائرات من دون طيار تعتبر فعالة من دون شك، ويمكن أن تستهدف إرهابيين؛ لكنها ترتكب أيضاً أخطاء، وتتسبب في وفيات بين المدنيين، مما يفاقم مشاعر الغضب ضد الأميركيين. ومنذ 2001، أنفق الغربيون، خصوصاً الأميركيين، 800 مليار دولار في أفغانستان، من أجل نتيجة مخيبة. وبالتالي، فإن ما كان ينقص الأميركيين منذ البداية هو مشروع استراتيجي حقيقي. وإذا كان لا ينبغي إنكار العلاقة بين أجهزة الاستخبارات الباكستانية و«طالبان»، فإن خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب يمكن أن يفاقم الوضع ويزيده تعقيداً. ومن جهة أخرى، يبدو الأميركيون في وضع صعب أمام حكومة أفغانية تطالبهم بدعمها للحؤول دون وصول «طالبان» إلى السلطة. وهكذا، فإن الأميركيين يهبّون لنجدة هذه الأخيرة وهم واعون بالفساد الذي ينخرها وبالفظاعات التي ترتكبها، ما يؤجج الغضب الشعبي ويضفي بعض الشرعية على «طالبان». وبالمثل، فإذا كانت أجهزة الاستخبارات الباكستانية مذنبة بالتدخل في أفغانستان، فإن تخوف الأميركيين من رؤية السلاح النووي الباكستاني يسقط بأيدٍ شريرة يدفعهم إلى الاحتفاظ بجسور مع الباكستانيين. والحال أنه لا بد من رؤية أكبر بعض الشيء؛ لأن السياسة الحالية لا يمكن أن تؤدي إلا إلى استمرار الفوضى الحالية. هناك فيلم مثير للاهتمام، لمخرج سينمائي أميركي عرض في القاعات السينمائية مؤخراً، بعنوان «أوراق البنتاجون». ماذا نكتشف في هذا الفيلم؟ إن «البنتاجون» كانت تعلم منذ 1965 أن الحرب في فيتنام خاسرة، لكن الأميركيين كانوا يفضلون مواصلتها على الاعتراف بالهزيمة. واليوم، يمكن القول إننا أمام الوضع نفسه تقريباً في أفغانستان. والواقع أنه ليس لدى الأميركيين المنهكين طريق آخر غير التعاون العالمي، وليس العسكري فقط. إذ ينبغي إجراء حوار واضح، لكن غير علني، مع الباكستانيين والاستماع لمخاوفهم تجاه أفغانستان والهند، كما ينبغي إشراك الصينيين والروس الذين يمتلكون أدوات نفوذاً وتأثيراً على باكستان. أما إذا كان الأميركيون يفكرون في مواصلة استراتيجية عسكرية بمفردهم، فبإمكان المرء توقع استمرار الهجمات في أفغانستان لوقت طويل جداً. لهذا، فربما يجدر بالجميع هنا اتباع نصيحة رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل الذي قال: «إذا كان المرء في قاع حفرة، فمن الأفضل أن يكف عن الحفر». لكن ترامب مستمر في الحفر على إثر الرؤساء الذين سبقوه في البيت الأبيض.