بعيداً عن كل مظاهر الخجل، لم تتورّع تركيا عن أن تطلق على الهجوم العسكري الذي نفذته في المنطقة القريبة من حدودها الجنوبية شعار «عملية غصن الزيتون». وهي تسمية غير موفقة على الإطلاق بسبب الطبيعة الدموية والخراب الذي سببته تلك العملية في مناطق شاسعة. ومنذ تاريخ 20 يناير، كانت القوات التركية والميليشيات المؤيدة لها تخوض معارك عنيفة ضد الأكراد السوريين المتحصنين في جيب ضيّق يضم بلدة عفرين التي تقع شمال غرب مدينة حلب. وتقول السلطات التركية إنها تقاتل وحدات يمكن اعتبارها امتداداً لحزب العمال الكردستاني PKK، وتتألف من مليشيا انفصالية كردية تعمل أصلاً داخل تركيا وتمّ إدراجها في كل من أنقرة وواشنطن باعتبارها منظمة إرهابية. وتتحدث تقارير عن أن ضربات الطيران والمدفعية التركية أدت إلى تدمير قرى بأكملها وقتلت المدنيين، بالإضافة لعشرات المقاتلين من الأكراد السوريين. وتم توزيع صور الخراب والقتل على مواقع التواصل الاجتماعي بما في ذلك صور الدمار الذي نتج عن غارة جوية تركية على موقع أثري تاريخي يعود للألفية الأولى قبل الميلاد. وقال الرئيس التركي خلال خطاب ألقاه في عطلة نهاية الأسبوع: «بخطوة تلو الأخرى سوف نُطهّر حدودنا الجنوبية كلها». إلا أن هذه العملية أثارت غضباً عالمياً واسعاً. وجاءت عقب إعلان وزير الخارجية الأميركي «ريكس تيلرسون» عن أن الولايات المتحدة ستلتزم بتشكيل وحدات عسكرية دائمة في سوريا والسماح بتشكيل قوة كردية دائمة على الحدود الشمالية الشرقية لسوريا، وهي الوحدات التي أطلق عليها المسؤولون الأتراك صفة «الكيان الإرهابي». وسبق لإدارتي أوباما وترامب أن عملتا على دعم وتأييد الفصائل الكردية السورية عندما أعلنت الحرب البرّية على تنظيم «داعش» على الرغم من معارضة الأتراك لهذه الخطوة. وفي الوقت الذي تقول فيه واشنطن إنها لن تدعم الفصائل الكردية في «عفرين»، فإنها مهتمة بشكل كبير بالأحداث التي تشهدها المنطقة الشرقية وحيث ساعدت على تسليح وتدريب الوحدات الكردية السورية، وهي جزء من تحالف يعرف باسم «قوات سوريا الديمقراطية»، وكانت تحارب إلى جانبهم في بعض الأحيان. وتقوم القوات الخاصة الأميركية بتسيير دوريات في أكثر المناطق المتنازع عليها سخونة في محاولة منها لمنع حدوث اشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات المدعومة من تركيا. إلا أن هذه المهمة سوف تصبح أكثر صعوبة بمرور الوقت. وقال زملاء باحثون في مقال مشترك نشر مؤخراً: «مع توجّه أردوغان نحو تصعيد لهجة التهديد والوعيد بتوسيع رقعة الهجوم التركي إلى المناطق الأبعد نحو الشرق حيث تتواجد قوات الولايات المتحدة، فإن صراعاً خطيراً يلوح في الأفق». وأضافوا: «إن الهجوم التركي على بلدة منبج الاستراتيجية القريبة من الحدود سوف يضع الولايات المتحدة أمام معضلة صعبة الحل». وحيث ستجد نفسها ملزمة إما بالانحياز لحلفائها على الأرض أو لشريكتها التاريخية في حلف «الناتو». والآن، دخلت العلاقات الأميركية التركية مرحلة السقوط الحرّ بسبب الحرب الدائرة في سوريا. وسبق لأردوغان أن عبر للرئيس الأميركي السابق عن غضبه الشديد بسبب تردده عن اتخاذ موقف المواجهة مع بشار الأسد في الوقت الذي كان يمالئ فيه الفصائل الكردية على الحدود التركية. وحمل وصول ترامب إلى البيت الأبيض الأمل بإعادة الأمور إلى نصابها إلا أن هذه الآمال سرعان ما تلاشت أيضاً. ولم يحمل الاتصال الهاتفي الذي جرى بين أردوغان وترامب قبل بضعة أيام أي جديد بشأن حل المشاكل المعقدة العالقة بين الولايات المتحدة وتركيا. وتحدى مسؤولون أتراك البيت الأبيض أن يقرؤوا ما دار خلال تلك المكالمة من نقاش، وكذّبوا ما قيل من أن ترامب عبّر عن «قلقه البالغ» من الحملة الدعائية المضادة للولايات المتحدة التي تتردد في أنقرة واحتجاجه على التصعيد الذي تشهده عفرين. وأطلقت الصحافة المؤيدة لأردوغان حملة من الانتقادات اللاذعة ضد الانفصاليين الأكراد وأسيادهم الغربيين. وفي الوقت ذاته، يتخوف المسؤولون الأتراك من ردة فعل المعارضة والمنشقين عن النظام بسبب الهجوم التركي. وقالت إحدى الصحف اليومية التركية: «لقد تم اعتقال 300 مواطن تركي على الأقل بسبب منشورات أطلقوها على مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن معارضتهم لعملية غصن الزيتون. وقال مسؤولون أتراك إن هذا الادعاء ليس إلا ضرباً من ضروب «الدعاية الإرهابية». ويوم الثلاثاء الماضي، أمر قاضٍ في المحكمة العليا التركية باعتقال 11 من الأعضاء البارزين في «الرابطة الطبية التركية» بمن فيهم رئيسها بعد أن أعلنت عن شجبها للغزو الذي وقع فيما وراء الحدود ودعت إلى إعادة السلام للمنطقة على الفور. ـ ــ ـ ــ ـ إيشان ثارور* *كاتب أميركي متخصص في العلاقات الخارجية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»