الأرجح أن هذه السنة لن تمضي من دون تصعيد في المواجهة الأميركية - الإسرائيلية لإيران، فالمؤشّرات تتزايد في مختلف الساحات السورية واللبنانية والعراقية، وبمعزلٍ عنها تحرز قوات الحكومة الشرعية بدعم من «التحالف العربي» مزيداً من التقدّم في تحجيم رقعة السيطرة الحوثية. كما أن الضغوط الأميركية لتعديل الاتفاق النووي بدأت تبلور تفاهماً مع الاتحاد الأوروبي، الذي يركّز على ملف تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية واستخداماتها. ولكن، بموازاة المواجهة الخارجية، هناك أيضاً الغليان المستمرّ في الداخل الإيراني نفسه، وقد بات واضحاً أن أسبابه المباشرة مرتبطة بالسياسات الاقتصادية والمالية للنظام كما بمغامراته الإقليمية. أي أن سياسات ما يقارب أربعة عقود تصل الآن إلى منعطف خطير يتحمّل النظام وحده مسؤوليته، ولا يفيده الاختباء وراء نظرية «المؤامرة» لتبرير الصعوبات الراهنة. ومن المؤشّرات أيضاً أن موسكو، التي لوّحت واشنطن بإمكان فرض عقوبات على مسؤولين كبار فيها، باتت توضح وقوفها إلى جانب طهران، حتى أنها شكّكت في أن تكون إيران مصدراً للصواريخ التي يطلقها الحوثيون على الرياض. ولكن تجدر ملاحظة خمسة أيام متتالية تلاحقت فيها أحداث ومواقف تدلّ على أن الأذرع الخارجية الإيرانية ستكون مستهدفةً أكثر مما كانت سابقاً. وقد بدأها رئيس الوزراء الإسرائيلي (29/01) خلال لقائه مع الرئيس الروسي، ولم يكن المهم في تصريحات نتنياهو أن إيران تعمل على «محو إسرائيل من الخريطة» بل إن الأهم والأكثر جدّية ما يتعلق بمصنع للصواريخ في جنوب لبنان، إذ بدا كأن نتنياهو قصد فلاديمير بوتين لإبلاغه بأن إسرائيل ستهاجم «حزب الله»، خصوصاً أن المعلومات عن هذا المصنع متداولة منذ أكثر من عام، ويبدو أن الإسرائيليين توصّلوا أخيراً إلى تحديد موقعه. وكل السيناريوهات الشائعة تفيد بأن أي ضربة إسرائيلية في لبنان قد تترافق بمواجهة جديدة في غزّة وربما تشعل جبهة الجولان، حيث زادت إيران أعداد مقاتلي ميليشياتها المنتشرة في جنوب غربي سوريا رافضة الخطط الروسية لإبعادهم إلى عمق 20 إلى 30 كلم. ولم يكن مصادفة أن تعلن واشنطن (31/01) إدراج إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في لوائح الإرهاب، وأن تُتبع ذلك (02/02) بعقوبات لجهات مموّلة لـ«حزب الله» في سلسلة عقوبات ستتصاعد تباعاً. ويؤكّد عديد من الخبراء أن مثلث الجولان -جنوب لبنان- غزّة كان مرشحاً دائماً لتصعيد عسكري، ولكن الإدارة الأميركية السابقة استبعدته لمصلحة إيران على رغم دعمها إسرائيل في حرب غزة (2014)، أما الإدارة الحالية فاعتمدت استراتيجية لتقليص النفوذ الإيراني وتعتبر ضرب «حزب الله» والميليشيات في سوريا وإضعاف «حماس» من خطواتها التنفيذية، ولذلك فهي لا تخفي دعمها لإسرائيل. ومع أن واشنطن لم تفصح صراحة عن استراتيجية مواجهة مع روسيا، إلا أن الإجراءات التي تتخذها في شمال سوريا وكذلك في العراق، فضلاً عن ملف التدخّل الروسي في الانتخابات الأميركية، تشكّل في بعض ملامحها اختباراً لثبات «الشراكة» بين روسيا وإيران. وفي المقابل، كان لافتاً أن تقرّر السلطات الإيرانية تخفيف قيود الإقامة الجبرية للشخصيتين المعارضتين مير حسين موسوي ومهدي كروبي، في خطوة تضعها أوساط «الإصلاحيين»، في إطار استجابة غير معلنة من النظام لحركة الاحتجاجات الأخيرة. ولكن ها هو كروبي يُخرج من موقع احتجازه رسالة إلى المرشد علي خامنئي (30/01) يدعوه فيها إلى «إصلاحات هيكلية قبل فوات الأوان»، مندّداً بـ«هيمنة الحرس الثوري» على الدوائر السياسية والاقتصادية والأمنية. وفي اليوم التالي (31/01) اكتسبت هذه الرسالة أهمية أكبر عندما قصد الرئيس حسن روحاني ضريح الخميني ليلقي خطاب افتتاح احتفالات الذكرى الـ39 للثورة، إذ حذر النظام من «مصير الشاه» الذي «خسر كل شيء لأنه لم يسمع مطالب الشعب»، ولعل التذكير بالشاه يُرجِع الصدى لهتاف «يسقط الديكتاتور» خلال الانتفاضة الشعبية. ولم تعنِ تحذيرات كروبي وروحاني شيئاً آخر غير أن المأزق الداخلي أصبح مقلقاً ولا يمكن تجاهله، وعلى رغم أنهما لم يتطرّقا مباشرةً إلى الطموحات الخارجية للنظام، إلا أن الانتفاضة سلطت الضوء على ارتباط الأزمة الداخلية بالسياسات الخارجية. والمؤكّد أن علي أكبر ولايتي، مستشار خامنئي، لم يكن يردّ مباشرة على روحاني، بل كان يخاطب الولايات المتحدة وإسرائيل عندما قال (01/02)، إن نفوذ إيران في الشرق الأوسط «حتمي»، غير أن حججه لتبرير هذا النفوذ لا تقنع سوى الميليشيات، بل أظهرت أن تشخيص كروبي وروحاني صحيح: فالنظام لم بعد يسمع أصوات الشعب، ولهذا تبعاته وإن تأخرت.