مع إفلاس وانهيار العديد من البنوك والمؤسسات المالية وأنظمة الضمان الاجتماعي الإيرانية في الآونة الأخيرة فقد الملايين من المدخرين والمستثمرين أموالهم في قصة تعيد إلى الأذهان شركات توظيف الأموال في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وبالأخص في مصر بعدما أسست الأحزاب الدينية شركات لتوظيف الأموال، التي سرعان ما تبخرت وتلاشت مع ما جمعته من مئات الملايين وهروب القائمين عليها واختفائهم. الفرق هذه المرة أن هذه اللعبة أو عملية النصب- سمها ما شئت- أخذت طابعاً رسمياً ومقنناً من خلال مؤسسات الدولة الإيرانية، وهو ما ولّد غضباً عاماً في ظل أوضاع اقتصادية متردية وازدياد حالات الفقر والبطالة والتضخم، مما ضاعف من معاناة عشرات الملايين وأوصل نصف السكان أو ما يعادل 40 مليون نسمة للعيش تحت خط الفقر وفق تقارير دولية. هذا في إيران التي من غير المعروف كيف ستتم معالجة هذه القضية المعيشية والمرشحة للتفاقم في الأشهر القادمة، أما الغريب في الأمر فهو فقدان العشرات من المستثمرين الخليجيين، وبالأخص الكويتيين منهم لودائعهم المقدرة بمئات الملايين من الدولارات، كما جاء في الصحافة الكويتية في عملية تعبر عن حماقة القرارات الاستثمارية التي تتخذ لأسباب غير مهنية. التساؤل هنا، ما الذي دفع مستثمرين ومدخرين لترك بلدان مزدهرة ومستقرة اقتصادياً وتوفر عوائد جيدة على الاستثمارات بدليل استقطابها لرؤوس أموال أجنبية بمليارات الدولارات، كدول الخليج العربي، ومن ضمنهم الكويت والتوجه إلى بلد تسوده الفوضى والفساد والفقر رغم الثروات الهائلة التي يتمتع بها؟ هناك بالتأكيد أسباب لدى هؤلاء السُذّج من البشر، أولها وأهمها طائفي بامتياز، فهم يعتقدون أنهم بذلك يقدمون دعماً لاقتصاد متهاوٍ ينشر الفوضى، ويمول حروباً ومنظمات إرهابية خارجية على حساب المستويات المعيشية لشعبه، متناسين أن النظام المالي والاقتصادي هناك يعاني من الفساد وسوء الإدارة والمقاطعة الدولية، إلا أن الندم لا يفيد في هذه الحالات، فقد تبخرت أموالهم وطارت الطيور بأرزاقها وليكونوا عِبرة لغيرهم. السبب الثاني ربما يكون مصدره الجشع، فالمؤسسات المالية والبنوك الإيرانية التي أفلست كانت تقدم نسبة فائدة تبلغ 30% مقابل أقل من 1% على العملات العالمية في بقية بلدان العالم! ومع أن ذلك وحده يشكل سبباً مباشراً للابتعاد عن هذه السوق، فإن الجشع دفع البعض لإرسال أموالهم لتلتهمها نيران الفساد، ومتناسياً أيضاً مسألة في غاية الأهمية، وهي أن نسبة التضخم في إيران مساوية تقريباً لنسب الفائدة، مما يعني أن المستثمر لا يحصل على أية عوائد من الناحية الفنية. في المقابل ألم يتساءل هؤلاء عن السبب الذي يدفع تجار البازار وغيرهم من مالكي رؤوس الأموال في إيران عن البحث بشتى الطرق لتهريب أموالهم من إيران لاستثمارها في الخارج، فعند ذهابك لشراء السلع الثمينة، كالسجاد الإيراني الفاخر، فإن التاجر يطلب منك دفع المبلغ في الخارج، كوسيلة لحماية أمواله واستثمارها في مناطق آمنة. إنه فعلاً تناقض يعبر عن حالة من فقدان التوازن والمهنية، فالتعصب يضع غمامة سوداء على العيون تخفي العيوب وتقود إلى نفق مظلم ونهاية مأساوية. للأسف مثل هذه الحالات لن تكون آخر مآسي النصب والاحتيال، إذ سيتكرر ذلك في أكثر من زمان وأكثر من مكان، فالأحزاب الدينية، وبالأخص «الإخوان» الآن في مصر والسعودية تحاول إقناع المستثمرين والمدخرين نقل أموالهم للخارج، إضافة إلى محاولاتهم لضرب قطاعات اقتصادية مهمة، كالسياحة من خلال عمليات إرهابية لتخريب برامج التنمية الطموحة هناك، التي ستنقل البلدين العربيين إلى مراحل تنموية متقدمة، إلا أن تجربة هؤلاء المستثمرين والمدخرين الفاشلة مع إيران ستقوض محاولات الأحزاب الدينية في البلدان العربية، ففي النهاية ستميل الكفة لجانب المهنية، وإلى جانب البلدان المستقرة والآمنة والمزدهرة.